وقال الميدانيّ صاحب «مجمع الأمثال» :
تنفّس صبح الشيب في ليل عارضي |
|
فقلت عساه يكتفي بعذاري |
فلمّا فشا عاتبته فأجابني |
|
ألا هل يرى صبح بغير نهار |
و «انتشار الشيب» أو اشتعال شعر الرأس به كما في الآية الكريمة المذكورة هو كناية الهرم والشيخوخة. ويقال للإنسان : شيخ إذا بلغ الخمسين إلى الثمانين من العمر.. وعن المعنى قال الشاعر :
زعمتني شيخا ولست بشيخ |
|
إنّما الشّيخ من يدبّ دبيبا |
يقول ظنت هذه المرأة أنني قد كبرت سني وضعفت قوتي ولكنها لا تعلم حقيقة الأمر ؛ لأن من كان مثلي يسير سيرا قويا لا يقال له شيخ ولا يقال عنه شيء من ذلك.
** (وَإِنِّي خِفْتُ الْمَوالِيَ مِنْ وَرائِي) : هذا القول الكريم هو بداية الآية الكريمة الخامسة. وهي جمع «مولى» يقال : وليه ـ يليه. و «المولى» هو ابن العم وله معان أخرى ـ يقول خفت الولاية في الموالي بمعنى : خفت فعلهم وهو سوء خلافتهم من ورائي ومراده : بنو عمّه وكانوا من الأشرار فخاف أن لا يحسنوا خلافته على أمته.
** (وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ) : في هذا القول الكريم الوارد في الآية الكريمة السادسة حذف مفعول «يرث» اختصارا لأنه معلوم بمعنى : ويرث من آل يعقوب العلم والنبوّة لأن الأنبياء لا يورثون.. ويعقوب نبيّ الله من ولد سليمان بن داود بن إسحاق بن إبراهيم ـ عليهمالسلام ـ.
** (يا زَكَرِيَّا إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلامٍ اسْمُهُ يَحْيى) : يحيى : لم ينوّن لأنه بوزن الفعل. وقيل : بل إنّ أصله فعل مضارع وكتب بالألف المقصورة تفريقا بين الاسم والفعل «يحيا».
** (لَمْ نَجْعَلْ لَهُ مِنْ قَبْلُ سَمِيًّا) : التقدير والمعنى : لم نسمّ أحدا بهذا الاسم ولا يشبه له في الصلاح والورع فحذف المضاف إليه ضمير الغائب ـ الهاء في «قبله» فبني المضاف «قبل» على الضّم لانقطاعه عن الإضافة. و «سميا» بمعنى : شبيها.. نحو هو سميّي : أي اسمه كاسمي وقيل : يسمّى كلّ واحد من المتشاكلين باسم المثل والتشبيه والشكل والنظر وكل واحد سمّي لصاحبه. ولهذا قيل للمثل : سمّي. ولهذا الاسم الذي على وزن الفعل أسماء متشابهة مأخوذة من الأفعال.. نحو : يعمر.. يعيش. وقد سمّوا بيموت أيضا. وهو يموت بن المزرّع.
(فَاتَّخَذَتْ مِنْ دُونِهِمْ حِجاباً فَأَرْسَلْنا إِلَيْها رُوحَنا فَتَمَثَّلَ لَها بَشَراً سَوِيًّا) (١٧)
(فَاتَّخَذَتْ مِنْ دُونِهِمْ حِجاباً) : الفاء عاطفة. اتخذت : فعل ماض مبني على الفتح والفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره : هي والتاء تاء التأنيث الساكنة لا محل لها. من دون : جار ومجرور متعلق باتخذت و «هم» ضمير الغائبين مبني على السكون في محل جر بالإضافة ويجوز أن يكون متعلقا بحال مقدمة من «حجابا». حجابا : مفعول به منصوب وعلامة نصبه الفتحة المنونة بمعنى : ستارا أو سترا.