** سبب نزول الآية : نزلت هذه الآية الكريمة في أناس من المنافقين كانوا يؤمنون بألسنتهم فقط دون قلوبهم فإذا أصابهم بلاء من الله ومصيبة في أنفسهم افتتنوا أي أوذوا.
** (وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا اتَّبِعُوا سَبِيلَنا وَلْنَحْمِلْ خَطاياكُمْ) : ورد هذا القول في الآية الكريمة الثانية عشرة .. أي أمروهم باتباع طريقتهم التي كانوا عليها في دينهم وأمروا أنفسهم بحمل ذنوبهم يوم القيامة .. فعطف الأمر «ولنحمل» على الأمر «اتبعوا» وأرادوا ليجتمع هذان الأمران في الحصول إن تتبعوا سبيلنا وأن تحمل خطاياكم .. والمعنى : تعليق الحمل بالاتباع أي جواب الطلب ـ الأمر ـ بتقدير : إن تتبعوا طريقتنا حملنا عنكم ذنوبكم.
** سبب نزول الآية : قال مجاهد : إن الآية الكريمة نزلت في كفار قريش قالوا لمن آمن منهم : لا نبعث نحن ولا أنتم .. فاتبعونا .. فإن كان عليكم إثم فعلينا.
** (وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقالَهُمْ وَأَثْقالاً مَعَ أَثْقالِهِمْ) : ورد هذا القول الكريم في الآية الكريمة الثالثة عشرة. المعنى وليحمل هؤلاء الكفار أثقال أنفسهم : أي ما ارتكبوه من الآثام وأثقالا أخرى غير الخطايا التي ضمنوا للمؤمنين حملها وهي أثقال الذين كانوا سببا في ضلالهم أي وأثقال ما ارتكبه من قلدوهم وفي «أثقالهم» أي أثقال أنفسهم ـ حذف المضاف إليه «أنفس» وأوصل المضاف «أثقال» إلى المضاف إليه الثاني «هم» ضمير الغائبين فصار : أثقالهم.
** (وَلَقَدْ أَرْسَلْنا نُوحاً إِلى قَوْمِهِ فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلَّا خَمْسِينَ عاماً فَأَخَذَهُمُ الطُّوفانُ وَهُمْ ظالِمُونَ) : هذا القول الكريم هو نص الآية الكريمة الرابعة عشرة .. أي وهم ظالمون أنفسهم بالكفر فحذف مفعول اسم الفاعلين «ظالمون» اختصارا وهو «أنفسهم» و«الطوفان» بضم الطاء : هو ما طاف بكثرة من سيل أو ظلام أو غيرهما .. والمقصود هنا في الآية الكريمة : طغيان مياه البحر على اليابسة في عهد نوح أرسله الله تعالى عليهم فأغرقهم إلا نوحا ـ عليهالسلام ـ ومن كان معه في السفينة وقد خولف بين اللفظين في قوله تعالى فذكر في الأول «سنة» وفي الثاني «عام» وتجنبا للتكرار أي لم يقل : ألف سنة إلا خمسين سنة .. لأن تكرير اللفظ الواحد في الكلام الواحد جدير بالاجتناب في علم البلاغة إلا إذا وقع لقصد التفخيم أو التعظيم. وقال الزمخشري في تفسيره لهذه الآية فإن قلت : هلا قيل : تسعمائة وخمسين سنة؟ قلت : ما أورده الله أحكم. لأنه لو قيل كما قلت لجاز أن يتوهم إطلاق هذا العدد على أكثره وهذا التوهم زائد مع مجيئه كذلك وكأنه قيل : تسعمائة وخمسين سنة كاملة وافية العدد إلا أن ذلك أخصر وأعذب لفظا وأملأ بالفائدة. «وفيه نكتة أخرى» أي نقطة أخرى أو جملة لطيفة تؤثر في النفس أو مسألة دقيقة فيها دقة نظر وإمعان فكر «وهي أن القصة مسوقة لذكر ما ابتلي به نوح ـ عليهالسلام ـ من أمته وما كابده من طول المصابرة تسلية لرسول الله ـ صلىاللهعليهوسلم ـ وتثبيتا له .. فكان ذكر رأس العدد الذي لا رأس أكثر منه أوقع وأوصل إلى الغرض من استطالة السامع مدة صبره. فإن قلت : فلم جاء المميز أولا بالسنة وثانيا بالعام؟ قلت : لأن تكرير اللفظ الواحد في الكلام الواحد حقيق بالاجتناب في البلاغة إلا إذا وقع ذلك لأجل غرض يريده المتكلم من تفخيم أو تهويل أو نحو ذلك. وقيل إن الاستثناء استدراك ورجوع على الجملة بالتنقيص تحريرا لعدد فلا يحتمل المبالغة لأنها لا يجوز معها العدد ولو فخم المستثنى لعاد ذلك ببعض تفخيم المستثنى منه وتكبيره عند السامع.