للمستقبل شأنها شأن الحرف «لن» والفرق بين الحرفين أن «لن» حرف نفي ونصب واستقبال وفيها تأكيد وتشديد ليس في «لا» وتأتي «لا» عاملة عمل «ليس» بشرط أن يكون اسمها وخبرها نكرتين وألا يتقدم خبرها عليها أو على اسمها وألا يفصل بينها وبين اسمها فاصل. وحول الآية الكريمة المذكورة آنفا ثمة سؤال : من يتبع من؟ هل النهار يتبع الليل أم العكس؟ يجيب الإمام أحمد عن هذا السؤال بقوله : النهار .. تابع لليل .. وهو المذهب المعروف للفقهاء .. وبيان ذلك قوله تعالى في الآية الكريمة المذكورة .. أي لا ينبغي للشمس أن تلحق القمر بالنزول في فلكه ولا الليل يسبق النهار فيفوته ولكنه يخلفه. وقد جعل سبحانه الشمس التي هي آية النهار غير مدركة للقمر الذي هو آية الليل وإنما نفى الإدراك لأنه هو الذي يمكن أن يقع وذلك يستدعي تقدم القمر وتبعية الشمس فإنه لا يقال : أدرك السابق اللاحق لكن أدرك اللاحق السابق فالليل إذا متبوع والنهار تابع. فإن قيل : هل يلزم على هذا أن يكون الليل سابق النهار وقد صرحت الآية بأنه ليس سابقا؟ فالجواب : إن هذا مشترك الإلزام وبيانه أن الأقسام المحتملة ثلاثة : إما تبعية النهار الليل وهو مذهب الفقهاء أو عكسه وهو المنقول عن طائفة من النحاة أو اجتماعهما فهذا القسم الثالث منفي باتفاق فلم يبق إلا تبعية النهار لليل وعكسه وهذا السؤال وارد عليهما جميعا لأن من قال : إن النهار : سابق الليل لزمه أن يكون مقتضى البلاغة أن يقال : ولا الليل يدرك النهار فإن المتأخر إذا نفي إدراكه كان أبلغ من نفي سابقه مع أنه يتناءى عن مقتضى قوله : (لَا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَها أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ) تنائيا لا يجمع شمل المعنى باللفظ وقال الزمخشري : فإن قلت : لم جعلت الشمس غير مدركة والقمر غير سابق؟ قلت : لأن الشمس لا تقطع فلكها إلا في سنة والقمر يقطع فلكه في شهر فكانت الشمس جديرة بأن توصف بالإدراك لتباطؤ سيرها عن سير القمر والقمر خليقا بأن يوصف بالسبق لسرعة سيره.
** (وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ) : المعنى : كلهم .. وبعد حذف المضاف إليه «هم» ـ ضمير الغائبين ـ نون آخر المضاف «كل» لانقطاعه عن الإضافة. و «الفلك» بمعنى : السفينة وهذا اللفظ يستعمل مفردا وجمعا بصيغة واحدة وقيل : هو مفرد وجمعه : أفلاك ويجوز أن يجمع على فلك ـ بضم الفاء ـ
** (وَآيَةٌ لَهُمْ أَنَّا حَمَلْنا ذُرِّيَّتَهُمْ فِي الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ) : هذا القول الكريم هو نص الآية الكريمة الحادية والأربعين .. المعنى ومن دلائل قدرتنا أننا حملنا أولادهم في المركب أو السفينة المملوءة بالبضائع التجارية .. وقيل : المراد به : سفينة نوح ـ عليهالسلام ـ وذكر المشحون لأن موصوفه «الفلك» بمعنى : المركب. أو أن اللفظة «الفلك» وهو السفينة يأتي مفردا وجمعا ومذكرا ومؤنثا بصيغة واحدة ففي الآية الكريمة المذكورة أفرد «الفلك» وذكر وفي قوله تعالى في سورة «البقرة» : (وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ) أنثت اللفظة .. وفي قوله تعالى في سورة «يونس» : (حَتَّى إِذا كُنْتُمْ فِي الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِمْ) جاءت اللفظة بصيغة الجمع. قال الجوهري : وكأنه يذهب بها إذا كانت واحدة إلى «المركب» فيذكر وإلى «السفينة» فيؤنث. وكان سيبويه يقول : «الفلك» التي هي جمع تكسير «للفلك» التي هي واحد ـ مفرد ـ وليس مثل «الطفل» الذي هو واحد ـ مفرد ـ وجمع. لأن «فعلا ـ بضم الفاء وسكون العين .. وفعلا .. بفتح الفاء والعين ـ يشتركان في شيء واحد مثل العرب ـ بضم العين وسكون الراء .. والعرب ـ بفتح العين والراء ـ والعجم والعجم فلما جاز أن يجمع «فعل مثل أسد»