في الجاهلية فنهوا عنه ـ أي عن الطلاق ـ بلفظ الجاهلية. و «تظاهرون» من «أظاهر» بمعنى : تظاهر وقد عدي الفعل بمن لأنهم في الجاهلية كانوا يتجنبون المرأة المظاهر منها كما يتجنبون المطلقة فكان قولهم : تظاهر منها : تباعد منها بجهة الظهار وتظهر منها : أي تحرز منها .. وظاهر منها : أي حاذر منها وظهر منها : خلص منها. ويقال : فلان نازل بين ظهرانيهم : أي في معظمهم ووسطهم. تلفظ كلمة «ظهرانيهم» بفتح النون. قال ابن فارس : ولا تكسر. وقال جماعة : الألف والنون زائدتان للتأكيد .. وبين ظهريهم وبين أظهرهم .. كلها بمعنى : بينهم. وفائدة إدخاله في الكلام ـ كما يقول الفارابي ـ أن إقامته بينهم على سبيل الاستظهار بهم والاستناد إليهم. وكأن المعنى أن ظهرا منهم قدامه وظهرا وراءه فكأنه مكنوف ـ مستور ـ من جانبيه. هذا أصله ثم كثر حتى استعمل في الإقامة بين القوم وإن كان غير مكنوف بينهم. وقولهم : دخلت صلاة الظهر. أنثت اللفظة لأنها مضمومة إلى الصلاة. ويجوز التأنيث والتذكير في حالة عدم الإضافة فالتأنيث على معنى ساعة الزوال .. والتذكير على معنى الوقت والحين. فيقال : حان الظهر وحانت الظهر ويقال هذا على بقية أوقات الصلوات. ويقال : أظهر القوم : بمعنى : دخلوا في وقت الظهر أو الظهيرة .. واتخذت كلامه ظهريا : أي نسيا منسيا والكلمة منسوبة إلى الظهر والكسر من تغييرات النسب.
** (وَما جَعَلَ أَدْعِياءَكُمْ أَبْناءَكُمْ) : الأدعياء : هم الملتحقون بنسبكم .. ومفردها : دعي .. وهو فعيل بمعنى مفعول .. جمع على «أفعلاء» وهذا بابه ما كان منه بمعنى «فاعل» مثل «تقي ـ أتقياء ـ وشقي وجمعه : أشقياء. و «الدعي» هو الذي يدعي ولدا ليس له أي من تبناه.
** (ذلِكُمْ قَوْلُكُمْ بِأَفْواهِكُمْ) : أي ذلكم النسب أو الادعاء أو الظهار والتبني .. هو مجرد قول أنتم قلتموه لا حقيقة له فلا تحرم الزوجة بالظهار ولا يثبت نسب بالتبني .. فحذف النعت أو البدل المشار إليه لأن ما قبله دال عليه.
** سبب نزول الآية : نزلت هذه الآية الكريمة في رجل من بني فهر قال إن في جوفي لقلبين أعقل بكل واحد منهم أفضل من عقل محمد. أو في الوليد ابن المغيرة الذي كان يقول : لي قلبان أعقل في أحدهما ما لا أعقل في الآخر ونزلت آية الظهار في خولة بنت ثعلبة زوجة أوس بن الصامت كما سيأتي في سورة «المجادلة» ونزلت آية «إبطال التبني في زيد بن حارثة الذي كان عند الرسول ـ صلىاللهعليهوسلم ـ ثم أعتقه وتبناه قبل الوحي.
** (وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ فِيما أَخْطَأْتُمْ بِهِ) : ورد هذا القول الكريم في الآية الكريمة الخامسة .. المعنى : ليس عليكم ذنب .. و «الذنب» هو «الخط» تسمية بالمصدر. قال أبو عبيدة : خطئ وأخطأ : بمعنى واحد لمن يذنب على غير عمد. وقال غيره : خطئ الرجل في الدين وأخطأ في كل شيء عامدا كان أو غير عامد. وقيل : خطئ : إذا تعمد ما نهي عنه فهو خاطئ ـ اسم فاعل ـ وأخطأ : إذا أراد الصواب فصار إلى غيره فإن أراد غير الصواب وفعله قيل : قصده أو تعمده .. هذا ما ذكره الفيومي. وقالت العرب : من الخواطئ سهم صائب أي يخطئ مرارا ويصيب مرة. و «الخواطئ» هي التي تخطئ القرطاس وهي من «خطئت» : أي أخطأت قال أبو الهيثم : وهي لغة رديئة. قال : ومثل العامة في هذا : «رب رمية من غير رام» وأنشد الشاعر :
رمتني يوم ذات الغمر سلمى |
|
بسهم مطعم للصيد لام |
فقلت لها أصبت حصاة قلبي |
|
وربة رمية من غير رام |