السلام ـ وقيل : ثلاثة : جبريل وميكائيل وملك معهما. وقيل : هم بعض من جنود الله تعالى وهم كثيرون لا يعلمهم أحد أو يعرف عددهم إلا الله تعالى. إذ قال سبحانه في سورة «المدثر» : (وَما يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَ) صدق الله العظيم. وفي هذه الآية الكريمة علمنا القرآن الكريم أدب الضيافة في قوله تعالى في الآية الكريمة السادسة والعشرين التالية.
** (فَراغَ إِلى أَهْلِهِ فَجاءَ بِعِجْلٍ سَمِينٍ) : أي فذهب في خفية من ضيوفه لأن من أدب المضيف ـ اسم فاعل ـ أن يخفي أمره وأن يبادر بالقرى من غير أن يشعر به الضيف حذرا من أن يكفه ويعذره. قال أبو عبيد : لا يقال : راغ .. إلا ذهب على خفية. وقوله تعالى في الآية الكريمة السابقة : (فَقالُوا سَلاماً قالَ سَلامٌ ..) حسن الابتداء بالنكرة لأن فيه معنى الدعاء. وجاء قوله : سلام أي عليكم سلام للدلالة على ثبات السلام كأنه قال أي قصد أن يحييهم بأحسن مما حيوه به أخذا بأدب الله تعالى وهذا أيضا من إكرامه لهم وجاء في الحديث : «السلام تحية لملتنا وأمان لذمتنا» وقيل : السلام : هو علم الإسلام. والقول الكريم في آخر الآية الكريمة (قَوْمٌ مُنْكَرُونَ) هو إنكاره لهم لأنهم ليسوا من معارفه أو من جنس الناس الذين عهدهم لأن لهم حالا وشكلا خلاف الناس وشكلهم. كأنه قال : أنتم قوم غير معروفين فعرفوني من أنتم؟.
** (فَأَقْبَلَتِ امْرَأَتُهُ فِي صَرَّةٍ فَصَكَّتْ وَجْهَها وَقالَتْ عَجُوزٌ عَقِيمٌ) : هذا القول الكريم هو نص الآية الكريمة التاسعة والعشرين المعنى فجاءت امرأة «إبراهيم» وهي «سارة» في صرة : أي صائحة والكلمة من صر الباب أو القلم ـ يصر صريرا بمعنى : صوت .. وضج فلطمت ببسط يديها وقيل : فضربت بأطراف أصابعها جبهتها متعجبة أي كناية عن التعجب وقالت ألد وأنا عجوز كبيرة السن عاقر لم ألد قط؟ وكلمة «عجوز» تطلق على المرأة الهرمة وعلى الرجل أيضا. وقال الأزهري : يقال لامرأة الرجل ـ وإن كانت شابة ـ هي : عجوزة ويقال للزوج ـ وإن كان حدثا ـ : هو شيخها. ويقال : هذا رجل عجوز : بمعنى : عاجز وهو ـ فعول بمعنى : فاعل ـ وقال الشاعر :
أضحى يمزق أثوابي ويضربني |
|
إذ بعد شيبتي يبغي عندي الأدبا؟ |
أراد الشاعر هنا بالأدب محاسن الأخلاق وهو أدب النفس ومعنى البيت : يقول : إن هذا الرجل قد صارت حاله إلى أن يعتدي علي ويهينني بتمزيق ثوبي وبضربي ؛ وإني قد كبرت فلا قدرة لي على تأديبه وردعه. وقد يكون المعنى إنه يحاول تأديبي من بعد أن جاوزت السن الذي يصلح فيه التأديب .. وهذا المعنى أظهر من المعنى الأول. وأصل نظم الكلام : أيبغي عندي الأدب بعد شيبي؟ وقال شاعر آخر يصف نفسه في حالي شبابه وشيبه :
نزل المشيب فما له تحويل |
|
ومضى الشباب فما إليه سبيل |
ولقد أراني والشباب يقودني |
|
ورداؤه حسن علي جميل |
** (فَما وَجَدْنا فِيها غَيْرَ بَيْتٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ) : هذا القول الكريم هو نص الآية الكريمة السادسة والثلاثين .. المعنى : فأخرجنا من كان في قرية لوط ـ عليهالسلام ـ من المؤمنين إنقاذا لهم من الهلاك فما وجدنا في قرية لوط من المسلمين إلا بيتا أو إلا بيتا من المسلمين أو على معنى غير بيت واحد من بيوت المسلمين وهو بيت لوط فقط فأهلكناها وتركنا بيت لوط. و «البيت» هو المسكن وجمعه : بيوت وأبيات وأباييت عن سيبويه مثل أقوال وأقاويل. والبيت أيضا : عيال الرجل وتضاف كلمة «بيت» إلى «الشعر» فيقال : أعجبني بيت الشعر هذا .. وهو ما يشتمل على أجزاء معلومة وتسمى : أجزاء التفعيل سمي بذلك على الاستعارة بضم الأجزاء