جهنم وألمها هو كقولك : وجد مس الحمى وذاق طعم الضرب لأن النار إذا أصابتهم بحرها ولفحتهم بإيلامها فكأنما تمسهم مسا بذلك كما يمس الحيوان ويباشر بما يؤذي ويؤلم. وقيل : إن جهنم أفظع من النار إذ إن النار : مطلقة وجهنم : أشدها كقوله تعالى في سورة «غافر» : (وَقالَ الَّذِينَ فِي النَّارِ لِخَزَنَةِ جَهَنَّمَ) أي للقوام بتعذيب أهلها. ولم يقل : لخزنتها «أي بعودة الضمير على النار» وإنما ذكر جهنم تهويلا وتفظيعا وتفخيما والتفخيم في ذلك من وجهين : أحدهما : وضع الظاهر موضع المضمر والثاني : ذكره وهو شيء واحد بظاهر غير الأول أفظع منه. وقيل : ويحتمل أن تكون جهنم هي أبعد النار قعرا .. من قولهم : بئر جهنام : أي بعيدة القعر وقولهم في «النابغة» : جهنام تسمية بها لزعمهم أنه يلقي الشعر على لسان المنتسب إليه فهو بعيد الغور في علمه بالشعر والوجه الأول أظهر وأدق.
** (إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ) : هذا القول الكريم هو نص الآية الكريمة الرابعة والخمسين .. وفيه عطف «النهر» وهو مفرد على «جنات» وهي جمع لأن المراد : الأنهار فقد عبر بالواحد عن الجمع مكتفيا باسم الجنس. و «النهر» بسكون الهاء وفتحها .. وعبر سبحانه بالواحد عن الجمع كما في قوله تعالى (وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ) أي الأدبار .. يقال : نهر الفلاح النهر ـ نهرا : أي حفره وهو من باب «قطع» ونهر الماء بمعنى : جرى في الأرض وجعل لنفسه نهرا .. من هذين المثالين يتبين أن الفعل «نهر» يأتي لازما ومتعديا وكل كثير جرى فقد نهر الدم : بمعنى : أرسله وأنهر الرجل : أي دخل في النهار ونهره وانتهره : بمعنى : زجره .. و «النهار» ضد الليل ولا يجمع كما لا يجمع العذاب والسراب وإن جمعت قلت في القليل أنهر وفي الكثير : نهر ـ بضم النون والهاء. قال ابن كيسان :
لو لا الثريدان لمتنا بالضمر |
|
ثريد ليل وثريد بالنهر |
و «الضمر» بسكون الميم وضمها : هو الهزال ـ بضم الهاء ـ وخفة اللحم ومنه : فرس ضامر وناقة ضامرة يروى أن رسول الله ـ صلىاللهعليهوسلم ـ مر بسعد وهو يتوضأ فقال : ما هذا السرف يا سعد! فقال : وهل في الماء سرف؟ قال ـ صلىاللهعليهوسلم ـ : نعم وإن كنت على نهر جار. صدق رسول الله ـ صلىاللهعليهوسلم ـ.
(وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ) (٣٢)
هذه الآية الكريمة أعربت في الآيتين الكريمتين : الخامسة عشرة والسابعة عشرة.
(كَذَّبَتْ قَوْمُ لُوطٍ بِالنُّذُرِ) (٣٣)
(كَذَّبَتْ قَوْمُ) : فعل ماض مبني على الفتح والتاء تاء التأنيث الساكنة لا محل لها. قوم : فاعل مرفوع بالضمة.
(لُوطٍ بِالنُّذُرِ) : مضاف إليه مجرور بالإضافة وعلامة جره الكسرة المنونة. بالنذر : جار ومجرور متعلق كذبت أي بالإنذارات .. أي إنذارات نبيهم