فهو «تبتلا» وإنما قال سبحانه : تبتيلا وهو نائب عن المصدر المؤكد لعامله لأنه ملاقيه في الاشتقاق فمعناه : بتل نفسك فجيء على معناه مراعاة لحق الفواصل ـ أي مراعاة لرءوس الآي الشريف.
** (وَطَعاماً ذا غُصَّةٍ وَعَذاباً أَلِيماً) : هذا القول الكريم هو نص الآية الكريمة الثالثة عشرة .. المعنى : إن لدينا للكافرين طعاما يغص به آكله .. و «الغصة» هي الشجر أي ما يعلق في الحلق من عظم وغيره وجمعه : غصص أما مصدر الفعل «غص» فهو غص ـ يقال : غصصت الطعام ـ أغص ـ غصصا .. من باب «تعب» تعبا. فأنا غاص ـ اسم فاعل ـ وغصان .. وتأتي الغصة بالطعام وبالغيظ على التشبيه. ومن أخطائهم قولهم : غص الرجل بالطعام أو الشراب ـ بضم الغين ـ أي ببناء الفعل للمجهول والصواب هو غص ـ بفتح الغين ـ ببناء الفعل للمعلوم. وإذا كان الفعل «غص ـ يغص ـ من باب «قتل» وهو لغة أيضا كان مصدره غصا .. ومن بابه ـ أي تعب ـ فالمصدر هو : غصصا. ويقال : أخذته شرقة كاد يموت منها بمعنى : أخذته غصة. والعامة تسميها : شهقة وإن كانت لفظة «شهقة» عامية إلا أنها عند المولدين بمعنى : خروج النفس بعد أخذه بسرعة مصحوبا بصوت من الحنجرة كما يفعل المتعجب من أمر ينكره .. فالفعلان «شرق» و «غص» فعلان لازمان .. ويأتي الفعل «غص» بفتح الغين إضافة إلى كونه بمعنى اعترض الطعام أو الماء في الحلق ومنع الغاص من التنفس. بمعنى آخر. يقال : غص المكان بهم : بمعنى : امتلأ وضاق عليهم. فهو غاص أي ضيق بهم وممتلئ.
** (إِنَّا أَرْسَلْنا إِلَيْكُمْ رَسُولاً شاهِداً عَلَيْكُمْ كَما أَرْسَلْنا إِلى فِرْعَوْنَ رَسُولاً) : هذا القول الكريم هو نص الآية الكريمة الخامسة عشرة .. المخاطبون هم أهل مكة ورسولا هو محمد ـ صلىاللهعليهوسلم ـ شاهدا على عصيانهم له أي يشهد عليهم بذلك يوم القيامة. كما أرسلنا إلى طاغية مصر «فرعون» نبي الله موسى ـ عليهالسلام لهدايته وتبصيره ونكر «رسول» لأنه بمعنى بعض رسل الله تعالى.
** (فَعَصى فِرْعَوْنُ الرَّسُولَ فَأَخَذْناهُ أَخْذاً وَبِيلاً) : هذا القول الكريم هو نص الآية الكريمة السادسة عشرة وفيه جاءت كلمة «الرسول» معرفة بالألف واللام والمعرفة هنا عهدية أي معهود بالذكر إشارة إلى المذكور بعينه. فأخذنا فرعون لتكذيبه الرسول «موسى» أخذا ثقيلا من وبل الشيء ـ يوبل ـ وبالا ووبولا .. من باب «وعد» بمعنى : وخم فهو وخيم أي شديد. وقد ابتدأ القول «رسولا» بالتنكير وعند تكراره ـ في الآية الكريمة التالية ـ عرف وهذا الأسلوب اللغوي يندرج في ابتداء الشيء نكرة وصيرورته معرفة عند تكراره .. ومثل هذا القول الكريم استعمال العرب أي ابتداؤهم بكلمة «سلام» نكرة ويختمون القول بتعريفه .. وكان رسول الله ـ صلىاللهعليهوسلم ـ يقول في مكاتبة أهل الكفر مختتما كتبه إليهم : السلام على من اتبع الهدى. ويروى عن النبي الكريم محمد ـ صلىاللهعليهوسلم ـ قوله عن عبارة «عليك السلام» : إنها تحية الموتى! فلهذا التوجيه النبوي الكريم يقتضي عدم تأخير المبتدأ وهو «السلام» ورد هذا التوجيه في رواية عن أبي مكعت الأسدي يقول فيها : أتيت رسول الله ـ صلىاللهعليهوسلم ـ فأنشدته :
يقول أبو مكعت صادقا |
|
عليك السلام أبا القاسم |
فأجابه رسول الله ـ صلىاللهعليهوسلم ـ قائلا : «يا أبا مكعت .. عليك السلام : تحية الموتى» وفي القرآن الكريم وردت كلمة «سلام» نكرة وهي في مبتدأ الكلام .. جاءت في سور كثيرة من القرآن الكريم .. وهذا دليل على أن تعريف السلام في ابتداء الكلام إن لم يكن غير صائب فهو مخالف للسان العربي الفصيح .. ومن تحيات العرب قولهم : أنعم صباحا : أي نعمت