** (حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقابِرَ) : هذا القول الكريم هو نص الآية الكريمة الثانية .. لم تنون لأنها معرفة بالألف واللام ولو جردت من «أل» لم تنون ـ لم تنصرف ـ أيضا لأنها على وزن ـ مفاعل ـ ولأنها صيغة منتهى الجموع بعد ألفها حرفان وهذا الجمع لا ينصرف في معرفة ولا نكرة. وهي جمع «مقبرة» ثلاثية الباء أي تلفظ بضم الباء وفتحها وكسرها وهي اسم موضع. ويقال : أقبره فهو مقبر والمقبر ـ اسم فاعل ـ هو الله تعالى وفعله رباعي «أقبر» واسم الفاعل من الثلاثي «قبر» هو قابر وهو الدافن. والمقبور ـ اسم مفعول ـ قال تعالى في سورة «عبس» فأقبره. قال الأعشى :
لو أسندت ميتا إلى نحرها |
|
عاش ولم ينقل إلى قابر |
حتى يقول الناس مما رأوا |
|
يا عجبا للميت الناشر |
وكان الحجاج قد صلب رجلا يقال له صالح .. فجاءه قومه فقالوا : أيها الأمير أقبرنا صالحا : أي اجعله ذا قبر.
** (كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ (٣) ثُمَّ كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ) : في هذا التكرار تأكيد للردع والإنذار عليهم وهو توكيد للتهديد والإيعاد وهو أبلغ من الأول وأشد كما قال تعالى : «ويل للمكذبين» مكررا في سورة «المرسلات» وفي نظائر له في القرآن. ومثله قول الشاعر :
هلا سألت جموع كن |
|
دة حين ولوا أين أينا |
والشاعر المستهزئ بهم هو عبيد بن الأبرص .. بمعنى : أين يفرون وقال .. وبعض القوم يسقط بين بينا وأنشدنا ابن دريد :
بين الأشج وبين قيس بيته |
|
بخ بخ لوالده وللمولود |
فأعاد «بين» مرتين وكذلك «بخ بخ» وهي كلمة تقال عند الرضا بالشيء وهي مبنية على الكسر والتنوين وتخفف في الأكثر. وهذا الشاعر أخذه الحجاج فقال : أنت القائل : «بخ بخ لوالده»؟ قال نعم. قال : والله لا تبخبخ بعدها أبدا. يا حرسي أضربا عنقه.
** (ثُمَّ لَتُسْئَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ) : المعنى ثم لتسألن يوم الحساب عن نعيم الدنيا الذي شغلكم عن العمل للآخرة .. وقال التفسير الوجيز : ثم : للترتيب الأخباري ؛ لأن السؤال في موقف الحساب قبل رؤية جهنم. قال ابن خالويه : اختلف الناس في «النعيم» أي في معناها هنا فقد قيل : هي عن ولاية علي بن أبي طالب ـ عليهالسلام ـ وقيل عن شرب الماء البارد وقيل : عن أكل خبز البر أي القمح وقيل عن الرطب وقيل عن النورة في الحمام وذلك أن عمر بن الخطاب ـ رضي الله عنه ـ كان رجلا أهلب ـ أي كثير الشعر ـ وبمعنى الذي لا شعر له فهو من الأضداد ـ فقيل : يا أمير المؤمنين لو تنورت! فقال : إنه من النعيم. وكان النبي ـ صلىاللهعليهوسلم ـ خرج مع جماعة من أصحابه وقد مسهم الجوع فعدلوا إلى بيت الأنصاري .. فقدم لهم ماء باردا ورطبا فأكلوا من ذلك الرطب وشربوا من ذلك الماء. فقال النبي ـ صلىاللهعليهوسلم ـ : «أما إنكم ستسألون عن هذا النعيم» قيل : يا رسول الله فما ذا شكره؟ قال : «أن تحمدوا الله إذا أكلتم» ثم قال ـ صلىاللهعليهوسلم ـ : «ثلاث لا يسال العبد عنهن : بيت يواريه من الحر والبرد .. وثوب يواري جسده .. وطعام يقيم به صلبه للصلاة».
(ثُمَّ لَتُسْئَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ) (٨)