أنّ غير العلم لا يعلم إلّا به فلو علم بغيره لدار (١) وهو مدفوع باختلاف الحيثيّة فإنّ غير العلم متوقّف عليه من جهة كونه إدراكا له وهو متوقّف على غيره من جهة كونه صفة مميّزة له عمّا سواه.
وأمّا ما يقال من أنّ المطلوب من حدّ العلم هو العلم بالعلم وما عدى العلم ينكشف بالعلم لا بالعلم بالعلم فغير حاسم لمادّة الإشكال فإنّ العلم بالعلم من جزئيّات العلم أو من متعلّقاته والمطلوب من الحدّ معرفة ماهيّة العلم.
ثمّ المعرّفون قد اختلفوا في تعريفه فقد يقال : إنّه معرفة الشيء على ما هو عليه مع طمأنينة النّفس ، أو أنّه صفة يحصل بها لنفس المتّصف بها التمييز بين حقايق المعاني الكلّية حصولا لا يتطرّق إليه احتمال ، أو إنّه صورة مطابقة للمعلوم حاصلة في قوى النّفس ، أو أنّه الإعتقاد المقتضى لسكون النّفس (٢) أو انّه استبانة الحق ، أو أنّه حضور إشراقيّ للمعلوم عند النفس المدركة ، أو أنّه حصول صورة المعلوم في الذهن.
__________________
(١) قال العلّامة في كشف المراد بعد قوله المذكور سابقا : ولان غير العلم انما يعلم بالعلم فلو علم العلم بغيره لزم الدور.
وقال الصدر بعد كلامه المذكور آنفا : ولان كل شيء يظهر عند العقل بالعلم به فكيف يظهر العلم بشيء غير العلم.
وقال السبزواري الحاج ملّا هادي في تعليقته على الأسفار ذيل هذا الدليل : والحاصل أنه يلزم الدور ودفعه بأن ظهور غير العلم انما هو بوجود العلم لا بمفهومه فلا بأس بأن يتوقف ظهور مفهومه على مفهوم غيره.
(٢) قال العلّامة في كشف المراد بعد نقل قول المنكرين لتحديد العلم : وقال آخرون : يحدّ ، فقال بعضهم أنهم اعتقاد أن الشيء كذا مع إعتقاد أنه لا يكون إلّا كذا وقال آخرون : إنّه إعتقاد يقتضي سكون النفس وكلاهما غير مانعين.