قصّة إرسال البراءة الى مكة ، إنّ هذا القرآن يقصّ على بني إسرائيل أكثر الذي هم فيه يختلفون (١).
ومنها قوله تعالى : (هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتابَ مِنْهُ آياتٌ مُحْكَماتٌ) الآية (٢) حيث دلّت على تقسيم الكتاب الى محكم ومتشابه ، ثم على الذّم والإنكار على من اتّبع المتشابه طلبا لإيثار الفتنة وطلبا لتأويله مع أنه لا يعلم تأويله إلّا الله والراسخون في العلم ، والظاهر من تخصيص الذّم على اتباع المتشابه أنه لا ذم على إتباع المحكم ، كما يستفاد منها بل من مجرد التقسيم إليهما مع ملاحظة التسمية حجيّة الأول دون الثاني ضرورة أن الظاهر المنساق من المحكم بل المفسر به عندهم ما كان محكم الدلالة ، بحيث تكون دلالته على ما أريد منه متضحة كما أن المتشابه ما لم تتضح دلالته لتشابه محتملاته بحيث لا مرجّح ولا معيّن لشيء منها ، بل يستفاد ذلك أيضا من أخبار كثيرة آمرة بالأخذ بالمحكم وردّ المتشابه إليه ، وأن من ردّ متشابه القرآن الى محكمه فقد هدي الى صراط مستقيم ، وأن المتشابه ما يشبه على جاهة ، وما يشبه بعضه بعضا الى غير ذلك مما يورث القطع بحجية المحكم ، وأنه ما كان واضح الدلالة حسب ما مرّت إليه الإشارة وتأتي.
ومن هنا يظهر سقوط ما قيل في الاعتراض على الاستدلال به من أن هذه الآية محكمة في ذمّ اتباع المتشابه ، وأما وجوب اتباع المحكم فلا يستفاد منها إلّا ظنّا ، إذ كون بعض الكتاب محكما وكون المحكم أم الكتاب لا يدل على وجوب اتباعه ، وذم اتباع المتشابه بل على عدم ذم إتباع المحكم بمفهوم اللقب
__________________
(١) النمل : ٧٦.
(٢) آل عمران : ٧.