(ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيداً) (١) : إنّها نزلت في الوليد (٢) بن المغيرة وكان شيخا كبيرا مجرّبا من دهاة العرب ، وكان من المستهزئين برسول الله صلىاللهعليهوآله ، وكان النبي صلىاللهعليهوآله يجلس في الحجر ويقرأ القرآن ، فاجتمعت قريش الى الوليد وقالوا : يا أبا عبد شمس ما هذا الذي يقول محمد صلىاللهعليهوآله أشعر هو أم كهانة أم خطب؟ فقال : دعوني أسمع كلامه ، فدنى من رسول الله صلىاللهعليهوآله وقال : يا محمّد أنشدنى من شعرك ، قال صلىاللهعليهوآله : ما هو بشعر ، ولكنّه كلام الله الذي ارتضاه الملائكة ـ وأنبياؤه ورسله ، فقال : أتل عليّ منه شيئا ، فقرأ عليه رسول الله صلىاللهعليهوآله : (حم ، تنزيل) السجدة فلمّا بلغ قوله : (فَإِنْ أَعْرَضُوا فَقُلْ أَنْذَرْتُكُمْ صاعِقَةً مِثْلَ صاعِقَةِ عادٍ وَثَمُودَ) (٣) فاقشعرّ الوليد وقامت كلّ شعرة في رأسه ولحيته ومرّ الى بيته ولم يرجع الى قريش من ذلك ، فمشوا إلى أبى جهل وقالوا : يا أبا الحكم إنّ أبا عبد شمس صبأ إلى دين محمّد صلىاللهعليهوآله ، أما تراه لم يرجع إلينا ، فغدا أبو جهل الى الوليد وقال له : يا عمّ نكسّت رؤسنا وفضحتنا وأشمتّ بنا عدوّنا ، وصبوت إلى دين محمّد صلىاللهعليهوآله ، فقال : ما صبوت الى دينه ولكنّي سمعت كلاما صعبا تقشعرّ منه الجلود ، فقال أبو جهل : أخطب هو؟ قال : لا ، الخطب كلام متصل وهذا كلام منثور ، ولا يشبه بعضه بعضا ، قال : أفشعر هو؟ قال : لا ، أما إنّى لقد سمعت أشعار العرب بسيطها ، ومديدها ، ورملها ، ورجزها ، وما هو بشعر ، قال : فما هو؟ قال : أفكّر فيه ، فلمّا كان من الغد قال له : يا أبا عبد شمس ما تقول فيما قلناه؟ قال : قولوا : هو سحر ، فإنّه أخذ بقلوب الناس ، فأنزل الله على رسوله في ذلك (ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ
__________________
(١) المدثر : ١١.
(٢) الوليد بن المغيرة بن عبد الله ابو عبد الشمس المخزومي من زنادقة العرب ، هلك بعد الهجرة بثلاثة أشهر (١ ه) ـ الاعلام ج ٩ / ١٤٤.
(٣) فصلت : ١٣.