واقشعرّت جلودنا لهيبته ، ثمّ تفرقوا مقرّين بالعجز (١).
إن قلت : إنّ الاختلاف في تعيين الوجه في الإعجاز قادح في أصله ، نظرا إلى أنّ الدعوة عامّة إلى كافّة النّاس ، فلا بدّ أن تكون المعجزة عامّة واضحة بحيث يفهمها النّاس كافّة ، ولا يشكّ فيها أحد منهم وإن أنكرها بلسانه ، والاختلاف في ذلك ينبئ عن اختفاء كلّ من الوجوه الظاهرة لكلّ من المختلفين عن الآخرين ، حيث إنّ كلّ واحد منهم منكر لما يثبته الآخرون من وجوه الإعجاز ، وكلّ من هذه الوجوه المختلفة فيها قابل للإنكار لعدم القطع بتحقّقه ، وعدم الاتفاق عليه.
بل ومن هنا يظهر عدم الاتفاق على اعجاز القرآن في الجملة ، لأنّ كلّا من الفرق يعلّل جهة الإعجاز بما ينكره الآخر.
فالجواب أنّه مجرّد الاختلاف في ذلك لا يقتضي الشكّ في الإعجاز بعد الاتّفاق عليه ، بل لعلّ الاختلاف إنّما نشأ من فهم كلّ منهم غير ما فهمه الآخر لعجزه عن ذلك ، أو لأنّه ليس من أهله ، وليست تلك الوجوه مانعة الجمع كى يمنع تحقّق كلّ منها من الآخر ، بل يمكن تصويب كلّ منهم من جهة فهمه ، كما لو اتّفق جماعة على إكرام زيد غير أنّ واحدا منهم يكرمه لعلمه ، وآخر يكرمه لعدالته ، وثالث يكرمه لسخائه ، ورابع يكرمه لشجاعته ، وكلّ هذه الأوصاف ظاهرة للكلّ ظهور البعض للبعض ، فلا مانع من كونه مجمعا لها ، على أنّه ليس المقصود إثبات جامعيّته عند الجميع بل الاتّفاق على وجوب الإكرام وهو حاصل بتصديق كلّ فرقة منهم بصفة من تلك الصفات ، ولو مع فرض التضادّ بين الجهات ، كالصّرفة وغيرها لرجوعهما إلى الإثبات والنفي ، فإنّ الاتّفاق على ما هو المراد دافع
__________________
(١) الإحتجاج : ٢٠٥.