خلاف في معناه ، مع اختلاف عباراتهم ، فما ذلك إلّا لاتّحاد المعنى العرفي ، والإشارة إليه ، والمسامحة في التعريف بالأعمّ والأخصّ ، فمدار تحقيق الغناء وخلافه على كيفيّات الأصوات من غير ملاحظة لذوات الكلمات ، فقد ظهر خطأ للعرف الجديد الذي هو بمنزلة المرآة الكاشفة عن العرف القديم ، كما أخطأ بديهة في تخصيص اسم الغناء بغير الجاري على وفق العربيّة والفصاحة.
وليس هذا بأوّل قارورة كسرت في الإسلام ، فقد أخطأ في كثير من المقامات ، فلا يحمل لفظ الغناء على المعنى الجديد ، كما لا تحمل ألفاظ التربة ، والقهوة ، واللبن ، والنهر ، والبحر ، والساعة ، وغيرها على المعاني الجديدة.
قلت : ولعلّه رحمهالله تسلّم المعنى الجديد للغناء على الوجهين على سبيل الفرض والمماشاة ، وإلّا فمن البيّن أنّه في حيّز المنع ، ولذا ترى المتورّعين في الدين الدين إذا سمعوا قارئ القرآن ، أو راثي الحسين عليهالسلام يرجّع ويطرب بصوته ينكرون عليه ويمنعونه ، معلّلين بأنّه غناء محرّم.
خامسها : ما اختاره شيخنا التستري زيد علاه في المسألة ، حيث قال بعد ذكر ما سمعت طرفا منه ، ما لفظه : إنّ المحصّل من الأدلّة المتقدّمة حرمة الصوت المرجّع فيه على سبيل اللهو ، فإنّ اللهو كما يكون بآلة من غير صوت كضرب الأوتار ، ونحوه ، وبالصوت في الآلة كالمزمار ، والقصب ونحوهما ، فقد يكون بالصوت المجرّد ، فكلّ صوت يكون لهوا بكيفيّة ، ومعدودا من ألحان أهل الفسوق والمعاصي فهو حرام ، وإن فرض أنّه ليس بغناء.
وكلّ ما لا يعدّ لهوا فليس بحرام وإن فرض صدق الغناء عليه فرضا غير محقّق لعدم الدليل على حرمة الغنا إلّا من حيث كونه باطلا ولهوا ، أو لغوا وزورا.