أحكمت فلا يحتاج سامعها الى تأويلها لبيانها كأقاصيص الأنبياء (١).
أقول : ولعل قوله : الى آخر السورة توهّم منه ، بل الأولى الآيات الثلاثة كما حكاه الرازي عن ابن عباس (٢) ولعله أراد الإشارة اليه مع اشتمال ما بعدها من الآيات على ما هو من المتشابه قطعا كقوله : (أَوْ يَأْتِيَ رَبُّكَ) (٣) وغيره.
وفي «النهاية» الأثيرية في حديث صفة القرآن هو الذكر الحكيم : أي الحاكم لكم وعليكم ، وهو المحكم الذي لا اختلاف فيه ولا اضطراب ، فعيل بمعنى المفعول فهو محكم ، ومنه حديث ابن عباس : قرأت المحكم على عهد رسول الله صلىاللهعليهوآله ، يريد المفصّل من القرآن لأنه لم ينسخ منه شيء ، وقيل : هو ما لم يكن متشابها لأنه أحكم بيانه بنفسه ولم يفتقر الى غيره (٤).
وقال في شبه : في صفة القرآن آمنوا بمتشابهه ، واعملوا بمحكمه المتشابه ما لا يتعلق معناه من لفظه ، وهو على ضربين : أحدها إذا ردّ الى المحكم عرف معناه ، والآخر ما لا سبيل الى معرفة حقيقته ، فالمتتبع له متبع للفتنة ، لأنّه لا يكاد ينتهي الى شيء تسكن نفسه اليه.
أقول : وهذه الأقوال وإن اختلفت بحسب الظاهر حتى عدّها بعضهم اختلافا في المعنى المقصود ، وآخرون من تكثّر المعاني بل قد يظهر ذلك أيضا من الطريحي في مجمعة حيث فسّر المحكم في اللغة بالمضبوط المتفق. قال :
__________________
(١) تاج العروس في شرح القاموس تأليف محمد مرتضى الزبيدي ج ٨ ص ٢٥٣.
(٢) قال فخر الدين الرازي في تفسيره ج ٧ ص ١٧٠ : المسألة الثالثة في حكاية أقوال الناس في المحكم والمتشابه فالأوّل ما نقل عن ابن عباس أنه قال : المحكمات هي الثلاث آيات التي في سورة الأنعام (قل تعالوا) الى آخر الآيات الثلاث.
(٣) الأنعام : ١٥٨.
(٤) مجمع البحرين كتاب الميم باب أوله الحاء ـ مادة حكم ـ ص ٤٦٨.