القوة ، فإنه من المستحيل استناد هذه الآثار العجيبة المختلفة الدالة على حكمة تؤثرها إلى قوة تفعل من غير توسط إرادة وشعور.
وقال رحمهالله : في كتابه الموسوم ب «الأسرار الخفية» : «إن المولدة هي التي تفصل جزءا من فضل الهضم الأخير ويودعه قوة من جنسه.
قالوا : ومن شأنها تخليق البزر وتطبيعه وإفادة أجزائه هيأت تناسبها مما يصلح لمبدئيّة شخص آخر من نوعه ، وهذا مما يجزم ببطلانه ، فإن القوى الطبيعية يستحيل أن يصدر منها آثار مختلفة.
ثالثها : ما قيل من أن هرمس وسقراط وأفلاطون وأغاذيمون وغيرهم من الحكماء المتألهين بل قاطبة الإشراقيين وإن لم يذكروا الحجة علي إثبات أرباب الأنواع إلا أنهم قد ادعوا فيها المشاهدة الحقة المتكررة المتبينة على رياضاتهم ومجاهداتهم وخلعهم أبدانهم في إرصادهم الروحانية ومعارجهم النورانيّة ، كما أشار إليه المعلم الأول في كلامه المذكور في «أثولوجيا» حيث قال : إني ربما خلوت بنفسي إلى آخر ما ذكره ، وفي كلمة المحكي من قيدارس الصانع كما سمعت ، وعلى هذا فليس لنا أن نناظرهم ، كما أن المشائين لا يناظرون بطلميوس وأبرخس (١) وأضرابهما ، حتى أن أرسطو عوّل على إرصاد بابل.
وإذا اعتبر رصد شخص أو أشخاص معدودة من أصحاب الإرصاد الجسمانية في الأمور الفلكية حتى تبعهم من تلاهم ، وبنوا عليه علوما كالهيئة والنجوم فكيف لا يعتبر قول أساطين الحكمة والتألّه في أمور شاهدوها بإرصادهم الروحانية في خلواتهم ورياضاتهم ، بل هذا أولى ، وليس للمشّائين دليل على حصر
__________________
(١) كان من حكماء الكلدانيّين وماهرا في الرياضيات سيما الأرصاد والنجوم واعتمد عليه بطلميوس اليوناني وذكره كثيرا في «المجسطي».