مقاصد القوم ، فإنّه لمّا كانوا مختلطين مع أوساخ الدهرية والطباعية زعموا أن الأفاعيل الصادرة عن العناصر والمعادن والنباتات منسوبة إلى قوى طبيعية صادرة عنها من دون شعور واختيار وإرادة ، بل لم يثبتوا الشعور والإرادة إلّا للحيوان من حيث إنّه حيوان ، أي حسّاس متحرك بالإرادة.
وأما من حيث كونه جسما أو ناميا فلم يثبتوا له الإرادة بل زعموا أنّ أفعاله طبيعية ، ولذا وقعوا في مثل المصوّرة في حيص وبيص ، حيث إنّ القوة البسيطة العديمة الشعور كيف يمكن أن يصدر عنها أفعال مختلفة وأشكال وتخاطيط متناسبة فالتجئوا في خصوص المصوّرة أو في مطلق القوى حسب ما سمعت إلى إثبات الملائكة.
والذي يظهر من التأمّل التامّ في الكتاب العزيز وكلمات أهل البيت عليهمالسلام أنّ كل شيء دخل في صقع الوجود فله نحو من الشعور.
ولذا قيل : إنّ الوجود كله شعور واختيار وإرادة وتمييز وفهم وحياة ، فهذه الصفات ثابتة لكل شيء من الأشياء على حسب رتبتها في الوجود فما كان قريبا بالمبدء كانت فيه هذه الأوصاف أقوى وأظهر وأشد كالإنسان الكامل الذي هو خليفة الرحمن وما كان بعيدا عنه كانت في أضعف وأخفى كالحركات والألوان سائر الأعراض والجمادات والأفاعيل الصادرة عنها إنما تصدر بالشعور والإرادة أيضا ولذا نطقت الشريعة الحقّة بتسبيح الأشياء كلها من الدرة إلى الذرة ، كما قال الله سبحانه : (يُسَبِّحُ لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ) (١).
وقال : (تُسَبِّحُ لَهُ السَّماواتُ السَّبْعُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا
__________________
(١) الجمعة : ١.