فلا إشكال في ضعف القول بتأخيره بعد استقرار المذهب منا ومن العامة على خلافه (١) ، مضافا إلى ما قيل : من أن المقصود من الاستعاذة نفي وسوسة الشيطان عند القراءة ، قال الله تعالى :
(وَما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلا نَبِيٍّ إِلَّا إِذا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ فَيَنْسَخُ اللهُ ما يُلْقِي الشَّيْطانُ) (٢).
ولذا أمر الله تعالى بتقديمها.
بل ولا في ضعف ما حكاه الرازي قولا ثالثا ، وهو قراءتها قبل القراءة للخبر ، وبعدها للقرآن جمعا بين الدليلين حسب الإمكان (٣) ، إذ فيه المنع من التعارض ، والأخبار للبيان ، وحسن الاحتياط ممنوع في مثل المقام بعد وضوح الحكم ، بل قد يؤدّي إلى التشريع لو قصد المشروعية.
محل الاستعاذة في الصلاة
كما أنه لا إشكال في أنه في خصوص الصلاة يتعوذ في أول ركعة منها خاصة ، ثم لا يتعوذ في كل ركعة.
__________________
(١) قال الرازي في «مفاتيح الغيب» ج ٢٠ / ١١٤ ، في تفسير آية الاستعاذة من سورة النحل : الفاء في قوله تعالى : (فَاسْتَعِذْ) للتعقيب ، فظاهر هذه الآية يدل على أن الاستعاذة بعد قراءة القرآن وإليه ذهب جماعة من الصحابة والتابعين ، قالوا : والفائدة فيه أنه إذا قرأ القرآن استحق به ثوابا عظيما ، فإن لم يأت بالاستعاذة وقعت الوسوسة في قلبه وتحبط بها ثواب القراءة ، أما إذا استعاذ بعد القراءة اندفعت الوساوس وبقي الثواب مصونا عن الإحباط.
أما الأكثرون من علماء الصحابة والتابعين فقد اتفقوا على أن الاستعاذة مقدمة على القراءة وقالوا : معنى الآية إذا أردت أن تقرأ القرآن فاستعذ ، ونظيره قوله تعالى : (إِذا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا ...) أي إذا أردتم القيام إلى الصلاة.
(٢) سورة الحج : ٥٢.
(٣) مفاتيح الغيب : ج ١ / ٦٠.