لاستدامة التجاذب والتمانع والتدافع بينها ، لكونه في هذا العالم معترك القوى النورانيّة العقليّة ، والشهوات النفسيّة ، والشيطانيّة الوهميّة ، والحيوانيّة البهيميّة ، والظلمانيّة الجسميّة ، وله في أرض عالم الناسوت مستقرّ حال العمر ، ومتاع الى حين الأجل.
واليه الاشارة بقول الشيخ ابن سينا في شعره :
هبطت إليك من المحلّ الأرفع |
|
ورقاء ذات تعزز وتمنّع |
قيل : إنّه سئل أفلاطون عن سبب هبوط الأرواح ، فقال : إنّها احترقت رياشها لبعض الأوهام الرديّة فسقطت الى هذا العالم ، فلمّا ارتاشت (١) صعدت.
والى الإشارة بقوله تعالى : (فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدىً فَمَنْ تَبِعَ هُدايَ فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ) (٢).
فدعا الناس الى إتّباع هداه ليخرجهم من الظلمات الى النور بإذن ربّهم الى صراط العزيز الحميد.
فللإنسان في هذه النشأة الدنيويّة انتقالات رتبيّة ، وترقيّات نفسيّة ، واستفاضات نوريّة عقليّة (إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ) (٣).
فلا تزال النفوس الانسانيّة تسير في المراتب النفسانيّة متدرّجة في الأطوار بعد الأطوار ، مستعدّة لإشراق أشعّة الأنوار ، (يَخْلُقُكُمْ فِي بُطُونِ أُمَّهاتِكُمْ خَلْقاً مِنْ بَعْدِ خَلْقٍ فِي ظُلُماتٍ ثَلاثٍ) (٤) :
ظلمة البلادة البهيميّة ، والجمودة الجسميّة ، والانحرافات النفسانيّة.
__________________
(١) ارتاش : أصاب خيرا وصلحت حاله.
(٢) البقرة : ٣٨.
(٣) فاطر : ١٠.
(٤) سورة الزمر : ٦.