وهذه الانتقالات ليست بحركات جوهريّة ، وتبدّلات ذاتيّة وانتقالات طبيعيّة اشتداديّة ، كما ذهب اليه بعض الأعلام ، نظرا الى القول بثبوت الحركة في مقولة الجوهر ، بل ربما ينسب اليه القول بتبدّل كلّ من الجواهر الى غيره ، حتى تبدل الهيولى صورة ، والصورة جسما ، والجسم نفسا ، والنفس عقلا.
وظنّى أنّه ينبغي تنزيهه عن هذه النسبة ، بل ربما يأبى عنه كلامه حيث ذكر في بيان هذه الحركة : أنّ أوّل نشأة الإنسان بحسب جسميته وقالبه قوة استعداديّة ، ثم صورة طبيعيّة شأنها حفظ المزاج للتركيب ، ثمّ صورة مغذّية لمادّة بدنيّة ، ثمّ صورة حيوانيّة يدرك المحسوسات ويتحرّك بالإرادة ، وهذا آخر درجات الصور الحسيّة.
وأوّل درجات الصور العقليّة قوّة تسمّى عند الحكماء بالعقل المنفعل ، ثم تنتقل من صورة الى صورة حتّى تتّصل بالعالم العقلي ، ويلحق بالملإ الأعلى إن ساعده التوفيق ، أو يحشر مع الشياطين والحشرات في عالم الظلمات إن ولّاه الطبع والشيطان وقارنه الخذلان.
وربما يقال : إنّه لمّا اثبت التعقّل وإدراك المعقولات ، وأنكر وجود العقل ، فلا بدّ له من أن يحكم على النفس بالوصول الى هذه الرتبة ، فمراده بصيرورتها عقلا أنّها تعقل الأشياء ، لا أنّها تنقلب عقلا عنده ، لأنّه لا يثبت العقل.
وفيه : أنّ النفس مادّتها التأييدات العقليّة ، وهي إشراقات من العقل ، محلّها منه محلّ الإشراق من الشمس ، والنور من المنير ، والضوء من السراج ، فكما لا يكون الإشراق شمسا ، ولا الضوء سراجا ، ولو بالترقّى والاشتداد في جوهره ونوعه كذلك لا تكون النفس بترقّيها عقلا ، وإنّما غاية ما يحصل لها من الترقّى هو الوصول الى أقصى مراتب النفس الّتي هي دون أفق العقل ، كما أنّ مراتب الجسم دون أفق النفس ، فكما لا يكون الجسم نفسا كذلك لا تكون النفس عقلا ، نعم