وسبيله ، فهم السبيل الأعظم والصراط الأقوام وشهداء دار الفناء ، وشفعاء دار البقاء والرحمة الموصولة ، من أراد الله بدأ بهم ، ومن قصده توجه إليهم صلوات الله عليهم وعلى أنوارهم وعلى أرواحهم وعلى أجسادهم وعلى أجسامهم وعلى ظاهرهم وعلى باطنهم وعلى أولهم وعلى آخرهم ورحمة الله وبركاته.
[المبحث الرابع : في الكشف عن حقيقة الاستعاذة وكيفيتها]
اعلم أن لا يمكن أن يتحقق العبد في مقام الاستعاذة والالتجاء والانقطاع إلا بعد العلم بأمور ثلاثة :
أحدها : أنّ له عدوّا قوّيا قاصدا له مترصّدا لإيصال الضرر إليه في نفسه ودينه وعياله وماله بحيث يعجز العبد عن مقاومته وكفّ ضرره عن نفسه.
ثانيا : أن الملجأ الذي يهرب إليه ويتوسّل به قويّ قاهر قادر على قهر ذلك العدوّ وإذلاله ، ودفع شره عنه ، والحيلولة بينه وبينه بحيث لا يمسّه شره أصلا.
ثالثها : أنّ هذا الملجأ ناصح مشفق برّ لطيف رؤف رحيم ، قد وعد على نفسه أن يجير من استجاره وأن يعيذ من استعاذ به ، وكلّما كانت العلوم المتعلقة بهذه المقاصد الثلاثة أقوى وأصفى وأجلى ، كان التحقق بمقام الاستعاذة والالتجاء أتمّ وأدوم وأكمل سيّما إذا نضمّ إليه العلم بانحصار الملجأ به دون غيره ، وهذه العلوم الثلاثة بل الأربعة حاصلة في المقام ، وإن كان في شيء منها ضعف فمن الشك في الدين ، أو من ضعف اليقين ، وإلّا فينبغي أن تنتهي هذه العلوم من مرتبة علم اليقين إلى عين اليقين ، بل حق اليقين.
أمّا العدوّ القويّ المترصّد فهو الشيطان اللعين بالضرورة من الدين بل بالشهود والعيان واليقين ، مضافا إلى الآيات الكثيرة التي نبّه الله فيها عباده بعداوة هذه العدو وأمرهم بالتجنّب والتحرّز عنه كقوله : (يا بَنِي آدَمَ لا يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطانُ كَما أَخْرَجَ أَبَوَيْكُمْ مِنَ الْجَنَّةِ يَنْزِعُ عَنْهُما لِباسَهُما لِيُرِيَهُما سَوْآتِهِما ، إِنَّهُ يَراكُمْ هُوَ