ففيه أنّه بعد تسليمه جاز في المقام أيضا.
وجه اختصاص الهدى بالمتقين
فإن قلت : لو كان الهدى مطلق الدلالة حصل به الوصول أم لا فما وجه الإختصاص بالمتقين في هذا المقام باللام المقيدة له؟
قلت : إنّ الهدى قد يستعمل مرّة باعتبار أصل معناه الّذي هو الدلالة والإرائة ، وأخرى يستعمل باعتبار حصول الثمرة ووصول النفع ، والمقام من الثاني ، كما أنّ قوله تعالى : (أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدىً لِلنَّاسِ) (١) من الأوّل ، وحيث إنّ المتّقين هم المنتفعون المتّعظون بزواجره خصّهم به دون غيرهم ـ وإن كانت دلالته عامّة تامة لكلّ ناظر من مسلم وكافر ، وهذا على حد قوله تعالى : (إِنَّما أَنْتَ مُنْذِرُ مَنْ يَخْشاها) (٢) باعتبار انتفاعهم بإنذاره ، وإن كان رسولا إلى الناس (كَافَّةً) ... (بَشِيراً وَنَذِيراً).
هذا مع أنّه ربما يقال : إنّه لا يهدي إلّا الموصوفين بالمرتبة الأولى من التقوى وهم الذين تأمّلوا الدلائل واتّصلوا بالإسلام.
وفيه نظر ، لأنّه هدى للكفّار والمشركين أيضا بالنظر الى وجوه إعجازه ووقوع التحدّي به ، واشتماله على الإخبار من السرائر المكنونة ، والحوادث المستقبلة.
وأمّا كونه هدى للمتّقين مع أنّهم المهتدون الواصلون إلى البغية ، فإنّما هو باعتبار مراتب الهداية ودرجاتها فإنّ أهل كل درجة يهتدون به إلى الدرجة العالية ،
__________________
(١) البقرة : ١٨٥.
(٢) النازعات : ٤٥.