وقد يقال : إنّ الارتباط بين الجمل كأنّه من روابط العليّة والمعلوليّة ويقرّر مرّة بأنّ كلّا منها كأنّه مدلول عليه بسابقه مترتّب عليه ترتّب المدلول على الدليل ، وذلك أنّه لمّا نبّه أوّلا على إعجاز المتحدى به من حيث إنّه من جنس كلامهم ، وقد عجزوا عن معارضته رتّب عليه أنّه الكتاب البالغ حدّ الكمال المبشّر به في الكتب السالفة ، واستلزم ذلك أن لا يحوم حومه شكّ وريبة ، وما كان كذلك كان لا محالة (هُدىً لِلْمُتَّقِينَ).
وأخرى على عكس الأولى حملا على الاستيناف على ما باله صار معجزا؟ فأجيب بأنه كامل بلغ أقصى الكمال لفظا ومعنا ، ثم سئل عن سبب الإختصاص؟ فأجيب بأنّه لا يحوم حوله ريب لكونه من عند الله ، ثمّ لمّا طولب بالدخول على ذلك استدلّ بكونه هدى للمتقين.
ولا يخفى أنّ طريقة الاستنتاج غير بعيد عن السياق ، وأمّا الاستيناف فغير مستحسن بعد ظهور عدم كون السؤال ظاهر الورود مع أنّ بعض الأجوبة لو لم نقل كلّها على وجه المصادرة مضافا الى أنّ كونه هدى مسبّب عمّا سلف فلا يصحّ دليلا له.
تفسير الآية (٣)
(الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ)
شروع في بيان صفات المتقين ، فبدأ بما هو كالأساس لغيره من صفاتهم الشريفة الّتي تترتّب على ذلك ترتّب الفروع على الأصل وتبتني عليه ابتناء البناء على الأساس وعلى هذا فالموصول موصول المتّقين.
ومحلّه الجرّ على أنه صفة موضحة لحال المتقين ، مبيّنة لما هم عليه في عقائدهم وأعمالهم وأموالهم إن فسّر التقوى بما يعمّ فعل الطاعة وترك المعصية ، أو