والتحقيق أن يقال : إنّه لا ينبغي التأمّل في أنّ هذا النزاع بين الفريقين ليس في مجرّد وضع اللفظ ومحض اللغة ، كيف والمرجع فيها الى أربابها ، مع أنّ الخطب في مثله سهل.
ولا في أنّ كثيرا من النّاس بل أكثرهم ينتفعون بالحرام ، بل ربما يعينسون به طول أعمارهم.
ولا في أنّ صفة الحرمة الشرعية ثابتة لكلّ من الأخذ ، والأكل ، والقنية إذا لم يكن على الوجه المباح المأذون فيه في الشرع.
إنّما الكلام بين الفريقين في أنّ الله تعالى هل جعل أرزاق العباد في الأشياء الطيّبة المباحة وإن اختاروا بسوء اختيارهم غيرها ، بل وعاشوا بالأشياء الخبيثة المحرّمة طول عمرهم ، أو أنّه جعل أرزاقهم في كلّ ما يعيشون به وينتفعون منه ، فالعدليّة لمّا ذهبوا الى التحسين والتقبيح العقليين واستحالوا القبح على الله سبحانه اختاروا الأوّل ، والأشاعرة لمّا لم يقولوا بالعدل ذهبوا الى الثاني.
ومن هنا يظهر أنّ الأولى تفريع هذه المسألة على ذلك الأصل ، وكأنّهم إنّما استدلّوا ببعض هذه الوجوه في المقام تأييدا وتقريبا للأصل.
أقسام الرزق
والحقّ أنّ الرزق ينقسم إلى أقسام ثلاثة : أصلي ، وبدلي ، وفضليّ.
فالأصليّ ما قدرة الله تعالى لعبده إذا استقام على مقتضى العبوديّة ، وطلب رزقه من الوجه الّذي شرع له.
والبدلي ما طلبه العبد من غير وجهه وأخذه من غير حلّه ، وإليهما الإشارة ما رواه في الكافي والتهذيب عن أبي جعفر عليهالسلام قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم في