الغلوّ الموجب للكفر
والّذي يستفاد من النقل الصحيح والعقل الصريح في معنى الغلوّ الموجب للكفر هو ما أشار إليه مولانا الرضا عليهالسلام على ما رواه في العيون حيث قال له المأمون : يا أبا الحسن بلغني أنّ قوما يغلون فيكم ويتجاوزون فيكم الحدّ ، فقال عليهالسلام : حدّثني أبي ، عن جدّي ، عن النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم أنّه قال : لا ترفعوني فوق حدّي فإنّ الله تبارك وتعالى اتّخذني عبدا قبل أن يتخذني نبيّا ، وقال علي عليهالسلام : يهلك فيّ اثنان ولا ذنب لي : محبّ مفرط ، ومبغض مفرّط ، وإنّا لنبرء إلى الله عزوجل ممّن يغلو فينا فيرفعنا فوق حدّنا كبرائة عيسى بن مريم على نبيّنا وآله وعليهالسلام من النصارى ... إلى أن قال عليهالسلام : فمن ادّعى للأنبياء ربوبيّة او ادّعى للائمّة ربوبيّة ، او نبوّة ، او لغير الأئمّة إمامة فنحن منه براء في الدنيا والآخره. الخبر (١).
والحاصل أنّ لكلّ من الأنبياء والأئمّة عليهمالسلام ، بل ولسائر الناس رتبة رتّبهم الله تعالى فيها ، فمن زعم انخفاضهم منها فهو مقصّر في حقّهم ومن زعم ارتفاعهم عنها فهو غال فيهم ، ولا شبهة في ذلك.
وإنما الكلام في الرتبة الّتي رتّبهم الله تعالى فيها ومنحهم إيّاها ونحن لا نحيط بها علما تفصيليّا لقصورنا عن ذلك. ولكن نعلم إجمالا أنّ الربوبيّة المطلقة وما يساوقها من وجوب الوجود ، والقدم ، والتجرّد المطلق ، واتحاد صفات الكمال للذات ، والإبداع وغيرها من سمات الوجوب الذاتي لا يمكن اتّصاف الممكن بها ، والقول بثبوت شيء منها في النبي والأئمّة عليهمالسلام غلوّ والحاد.
وكذا القول باستغنائهم عنه سبحانه في شيء من الفيوض ، واستقلالهم منه في شيء من الأحوال ، او استناد شيء من الفيوض او العلوم إليهم على وجه
__________________
(١) عيون الاخبار : ٣٢٤ ـ ٣٢٥ وعنه البحار ج ٢٥ ص ٢٧٢.