الأشاعرة عظّموه فنسبوا كلّ شيء إلى الله وقالوا لا مؤثّر في الوجود إلّا الله ، والقدريّة نزّهوه عن أفعال العباد ، وقالوا : لا يليق بجلال حضرته وعلوّ كبريائه هذه القبائح.
ففيه أنّ الإنصاف إصابة كلّ من الفريقين فيما نسب إلى الآخر من الضّلال والرين ، إذ الحقّ المأثور عن الأئمّة المصطفين هو القول بالمنزلة بين المنزلتين ، وهو امر أوسع من بين الخافقين ، بل هو مقتضى الجمع بين الشّهادتين ، وذلك أنّ إثبات الإله موجب لنسبة الحوادث كلّها إليه ، وإثبات الرّسول ملجئ إلى القول بالقدر ، إذ لو لم يقدر العبد على الفعل فأيّ فائدة في بعث الرّسل والوعد والوعيد والمعاد وغيرها ، فالجمع بينهما إنّهما هو بالأمر بين الأمرين حسبما لوّحنا إليه آنفا ، وستسمع إن شاء الله تمام الكلام فيه وفي الجواب عن شبه الفريقين في موضع أليق.
أفضليّة السمع من البصر
رابعها : قد يستدلّ بهذه الآية ونحوها ممّا قدم فيه السّمع كقوله : (إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤادَ كُلُّ أُولئِكَ كانَ عَنْهُ مَسْؤُلاً) (١) على أفضليّة السّمع من البصر مضافا إلى أنّ السّمع شرط النّبوة دون البصر ، ولذا لم يبعث رسولا أصمّ وكان فيهم من ابتلي بالعمى ، وانّ به يتوصّل إلى معرفة نتائج العقول والأفكار ، فهو سبب لإدراك المحسوس والمعقول ، ولأنّ السّمع يدرك من الجهات كلّها ولو مع الحيلولة ، دون البصر الّذي يتوقّف إدراكه على المحاذاة وعدم الحيلولة ، ولأنّ النّوم يغلب أوّلا على البصر ثمّ يغلب على السمع والقلب.
ولذا قال الصّادق عليهالسلام إنّه قد تنام العين ولا ينام القلب والأذن فإذا نامت العين
__________________
(١) الإسراء : ٣٦.