معدي كرب (١) :
أمن ريحانة الداعي السميع |
|
يؤرّقني وأصحابي هجوع |
وقد صرّح به غير واحد من ائمّة اللغة ، فلا يصغى إلى إنكار الزمخشري ، وغيره مجيء فعيل بمعنى مفعل بالكسر ، وجعل الآية من المجاز في الإسناد كقوله : تحيّة بينهم ضرب وجيع ، بمعنى المرجع بالفتح على ما قيل ، وقولهم : جدّ جدّه ، والألم في الحقيقة للمتألّم ، كما أنّ الجدّ للجادّ ، لكنّ العذاب وصف به للمبالغة ، كأنّ العذاب لشدّته يتألّم من نفسه ، ولا بأس به غير أنّ الأوّل أظهر.
(بِما كانُوا يَكْذِبُونَ) (٢) بسبب كذبهم في قولهم : (آمَنَّا) و (لَمْ تُؤْمِنْ قُلُوبُهُمْ) ، وفي قولهم : (إِنَّكَ لَرَسُولُ اللهِ) ، والله يشهد بكذبهم ، وفي إقرارهم وتصديقهم بوصيّه الّذي بايعوا معه يوم الغدير ، حتى قال له الثاني ما قال ، ثم نكثوا بيعته ونقضوا عهده ، ونبذوه (وَراءَ ظُهُورِهِمْ وَاشْتَرَوْا بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً فَبِئْسَ ما يَشْتَرُونَ).
وفي إيثار مادّة الكون ، وهيئة الجملة الفعليّة دلالة على استمرارهم على الكذب وإصرارهم وتحقّقهم به قولا وفعلا ، حتى كأنّه كانت كينونتهم عليه من باب الفطرة الثانية ، والخلقة المغيّرة الشيطانيّة.
القراءة الشاذة في (يَكْذِبُونَ)
والتخفيف قراءة حمزة ، وعاصم ، والكسائي ، وقرأ الباقون (يَكْذِبُونَ) بالتشديد.
وعلّل الأوّل بأنّه أشبه بما قبل الكلمة وما بعدها ، لأنّ قولهم : آمنّا بالله كذب
__________________
(١) عمرو بن معدي كرب الزبيدي فارس اليمن وفد على المدينة سنة (٩) ه واسلم ، ولما توفّي النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم ، ارتدّ عمرو ، ثمّ تاب ، فشهد القادسية ، وتوفّي قرب الريّ عطشا سنة (٢١) ه.
(٢) البقرة : ١٠.