السفاهة ، والعهد.
ودعوى أنّ اللام في الموضعين للعهد لا للجنس ضعيفة.
معنى السفاهة في المنافقين
والسفيه من خفّ عقله وسخف رأيه ، من قولهم : ثوب سفيه إذا كان باليا رقيقا ، وإليه يئول ما قيل : إنّه الضعيف الرأي الجاهل القليل المعرفة بمواقع المنافع والمضارّ ، بل وما عن قطرب (١) من أنّه العجول الظلوم القائل خلاف الحقّ ، فإنّ هذا كلّه من آثار الخفّة والسخافة.
وإنّما سفّهوهم لاسترذالهم وتحقير شأنهم وتضعيف أحلامهم ، حيث إنّ اكثر المؤمنين كانوا فقراء منهم أصحاب الصفّة ، ومنهم موال ، ونظيره قوله : (وَما نَراكَ اتَّبَعَكَ إِلَّا الَّذِينَ هُمْ أَراذِلُنا بادِيَ الرَّأْيِ) (٢).
أو لأنّ منهم من ترك الحظوظ العاجلة والمناصب الموطئة ، والرياسات العظيمة ، ومنهم من هاجر الأوطان ، وفارق الأهل والأولاد والإخوان ، ومنهم من بذل نفسه في سبيل الله ، وكلّ ذلك عند هؤلاء المنافقين كان إيثارا للمضارّ على المنافع العاجلة الّتي طمحت إليها آمالهم ، وتاقت إليها نفوسهم ، ولذا حملوه على خفّة الأحلام وقلّة المعرفة بمواقع المنافع والمضارّ.
(أَلا إِنَّهُمْ هُمُ السُّفَهاءُ) لا غيرهم ، هم المؤثرون للباطل على الحقّ ، لأنّ في إقامتهم على غيّهم وضلالتهم فضلا من شماتتهم بأهل الدين موت قلوبهم ، وهلاك نفوسهم ، وهدر دمائهم ، ونهب أموالهم وسبي ذراريهم ، مع ما يستحقّونه من
__________________
(١) قطرب : ابو علي محمد بن المستنير البصري النحوي اللغوي المتوفى (٢٠٦) ه.
(٢) هود : ٢٧.