الأنبياء الّذين أمروا أن يكلّموا النّاس على قدر عقولهم ، فقدر عقولهم أنّهم في النّوم والنّائم لا يكشف له شيء إلّا بمثل ، فإذا ماتوا انتبهوا وعرفوا أنّ المثال مطابق للممثل لذا يخاطب الكافر بقوله : (لَقَدْ كُنْتَ فِي غَفْلَةٍ مِنْ هذا فَكَشَفْنا عَنْكَ غِطاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ) (١).
ثمّ أنّه قد يفرق بين المثل محركة والمثل ساكنة بما لا يرجع إلى محصّل ، وستسمع تمام الكلام في تفسير قوله : (وَلِلَّهِ الْمَثَلُ الْأَعْلى) (٢) و (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ) (٣) كما أنّه قد يفرق أيضا بين المثل والمثال بأنّ الأوّل المشارك في تمام الحقيقة ولذا نفى عنه تعالى في الآية ، والثّاني المشارك في بعض الأعراض فانّ الإنسان المتنقّش في الجدار مثال للإنسان الطبيعي لمشاركته له في المقدار والجهة ونحوهما ، وليس مثلا له وهو كما ترى.
مثل المنافقين في أعمالهم
وعلى كلّ حال فمعنى المثل المضروب للمنافقين في المقام أنّ حالهم وصفتهم الغريبة أو قصّتهم الحاكية عنها (كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ ناراً) الكاف صلة مثلها في قوله : (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ) وان قيل بالمنع من زيادتها فيه ايضا أو أصليّة ، والمراد تشبيه الصّفة أو القصة بمثلها على حدّ قوله : (مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْراةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوها كَمَثَلِ الْحِمارِ) (٤) على الثّاني وقوله : (يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ نَظَرَ الْمَغْشِيِّ عَلَيْهِ
__________________
(١) ق : ٢٢.
(٢) النحل : ٦٠.
(٣) الشورى : ١١.
(٤) الجمعة : ٥.