نفسه ، فالخطب فيه سهل بعد ما ظهر ممّا مر من الخبر المفسّر للظلمات بالعقوبة الأخروية ، مع أنّ الفعل منه سبحانه وان كان مترتّبا على وجه الجزاء على أعمالهم السّيئة ، أو أنّه على منع الألطاف والعنايات والتّخلية بينهم وبين نفوسهم الشريرة.
ولذا قال مولانا الرّضا عليهالسلام على ما رواه في العيون ، أنّ الله لا يوصف بالترك كما يوصف به خلقه ولكنّه متى علم أنّهم لا يرجعون عن الكفر والضّلال منعهم المعاونة واللّطف وخلّى بينهم وبين اختيارهم (١).
التمثيل في هذه الآية المباركة
ثمّ انّه قد ظهر ممّا مرّ أنّ التّمثيل في الآية والّتي بعدها يحتمل كونها من التّمثيلات المؤلّفة والتشبيهات المركّبة الّتي تشبه فيها كيفيّة حاصلة من ملاحظة مجموع أشياء قد لوحظت بانفرادها قصدا وانضمّ بعضها إلى بعض بحيث وقع على مجموعها ملاحظة واحدة فصارت بذلك شيئا واحدا بكيفيّة أخرى منتزعة من مثلها ، وهو فنّ من البيان جزل بليغ قد جرت عليه طريقة أهل اللسان ورد به القرآن ومنه قوله تعالى : (مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْراةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوها كَمَثَلِ الْحِمارِ يَحْمِلُ أَسْفاراً) (٢) وقوله :
وقد لاح في الصبح الثّريا لمن يرى |
|
كعنقود ملّاحيّة حين نوّرا (٣). |
كما أنّه يحتمل أيضا كونه من التشبيه المفرد الّذي يؤخذ فيه أشياء فرادى فتشبّه بأمثالها وإن قيل إنّ الأوّل اولى بالمقام لما في ذكر المثل من الإنباء عن التركيب
__________________
(١) عيون الاخبار ج ١ ص ١٢٣.
(٢) الجمعة : ٥.
(٣) العنقود من العنب ما تراكم من حبّه ، وملّاحية : عنب أبيض في حبه طول ، ونوّر : تفتّح نوره (بفتح النون) اي الزهر أو الأبيض منه ـ والبيت لأبي قيس بن الأسلت على قول.