والمستعار له في المقام وإن كان محذوفا وهو المبتدأ لكنّه في حكم المنطوق به نظيره قول من يخاطب الحجّاج
أسد عليّ وفي الحروب نعامة (١) |
|
فتخاء (٢) تنفر من صفير الصّافر. |
والصّمم أصله السدّ ، ومنه : صممت القارورة أي سددتها وصمامها سدادها ، وقناة صمّاء صلبة مكّنزة الجوف لسدّ جوفها بامتلائها سمّي به فقدان حاسة السّمع لانسداد باطن الصّماخ معه بحيث لا ينفذ إلى الصّماخ شيء من الهواء المتموّج بالصّوت ، ولذا فرقوا بين الطرش والوقر والصّمم بأنّ الأول نقصان السّمع ، والثاني بطلانه ، والثالث فقدان تجويف الصّماخ ، واصل البكم الاعتقال في اللّسان ، يقال : رجل أبكم أي أخرس بيّن البكم من ولد كذلك ، كما أنّ الأخرس من ولد على الصّفة ، والعمى عدم البصر عمّا من شأنه أن يبصر.
وجه تقديم الصمّ على البكم وتأخير العمى في الآية
وقدّم الصّمم على البكم لأنّ التكلّم مترتّب على السّماع ولذا يكون الأصم ابكم فروعي هذا التّرتيب في ضدّهما أو لأنّ الشرع يدعوا إلى سماع الحقّ ثمّ التكلّم به ، فذكر أنّهم لا يسمعونه ثمّ أنّهم لا يتكلّمون به.
وأمّا تأخير العمى فقد يعلّل بأنّ السّماع أعظم مدخلا في درك الشّرائع من البصر ، فتأخّر ضد الأخير عن ضدّ الأوّل وعمّا هو لصيقه وقرينه ، وبأنّ العمى شامل لعمى الفؤاد ، وهي آفة تمنع من الفهم ولعمى العين ، بل قد يقال بكونه حقيقة فيهما
__________________
(١) النعامة : حيوان له عنق كالجمل وريش كالطائر ويقال له بالفارسية شتر مرغ.
(٢) الفتخاء : أسد عريض الكف.