الفريقين حيث إن المتكلّمين يجوّزون عدم صدور العالم عنه تعالى وإفنائه بعد وجوده بالكليّة ويمنعه الحكماء.
هل القدرة من صفات الذات أو من صفات الفعل
وأمّا ما ذكره الدّوّاني (١) من أنّ التعريف ليس مثار الخلاف ، بل مثاره قول الحكماء بوجوب تحقّق مقدم الشرطيّة الأولى وامتناع مقدم الشرطيّة الثّانية ، وقول المتكلمين بامكانهما ، وذلك ليس خلافا في معنى القدرة والإختيار فإنّ الفريقين بعد أن يتّفقا على أحد التعريفين يمكنهم هذا الخلاف ، ففيه أنّهما متّفقان أيضا في الوجوب الغيري والإمكان الذّاتي للعالم ، فالمراد بالوجوب والامتناع في المقدّمتين من قول الحكماء هو الوجوب والامتناع الغيريان ، ولا ينافيه الإمكان الذاتي الّذي يقول به المتكلّمون ، وأمّا الوجوب والامتناع الذّاتيان فلا أعرف أحدا من الفريقين يقول بثبوتهما.
وأمّا ما يقال من أنّ عدم العالم ممكن بالنظر الى ذاته لامتناع زوال الإمكان الذّاتي عنه لكن عدم مشيّته تعالى له ممتنع بالذّات عندهم ، ولا منافاة بين إمكانه الذّاتي وامتناع عدم صدوره عنه بالنظر إلى مشيّته ، فعدمه ممكن بالذّات لكن عدم مشيّته تعالى له ممتنع بالذّات ، فصحّ أنّ عدم صدوره عنه ممتنع بالذات وإن كان هو في نفسه ممكن العدم ، والمتكلّمون ينكرون ذلك ويقولون بجواز عدم مشيّته تعالى له ، ففيه أنّ ظاهر التعريفين غير مساعد عليه ، ولعلّ قولهم بامتناع عدم مشيّته تعالى
__________________
(١) هو جلال الدين محمد بن سعد الدواني المنتهي نسبه الى محمد بن ابي بكر الحكيم الفاضل الشاعر المتوفى حدود سنة (٩٠٧) أو بعدها.