إتّكال العبد على علمه والأمن من يأسه سبحانه كما في قوله (تُوبُوا إِلَى اللهِ تَوْبَةً نَصُوحاً عَسى رَبُّكُمْ أَنْ يُكَفِّرَ عَنْكُمْ سَيِّئاتِكُمْ) (١) وذلك للاشارة إلى شرف مقام التقوى ، وانّ العبد لا يناله بمجرّد العبادة ، بل لا بدّ أن يكون مع اجتهاده فيها والمداومة ، عليها واجبا لنيل البغية على وجل من أن يجيبه بالخيبة.
يستدل بهذه الآية على أمور مهمّة
ثمّ أنّه ربما يستدلّ بالآية على أمور :
منها ما مرّت الإشارة إليه من دخول الكفّار تحت عموم التكاليف كالمؤمنين.
ومنها أنّ الطّريق اللّائق بأحوال عامّة المكلّفين إلى معرفة الله سبحانه والعلم بوحدانيّته وربوبيته واستحقاقه للعبادة هو النّظر في صنعه والاستدلال بأفعاله المحكمة وآياته العجيبة في الأنفس والآفاق.
ومنها أنّه لو ثبت مطلوبيّة شيء في الشّريعة وكونه عبادة مقرّبا إلى الله سبحانه إلّا أنّه قد شكّ في وجوبه واستحبابه فمن البيّن أنّ المقرّر عندهم هو الحكم بالاستحباب لأصالة عدم التكليف وعدم المنع من الترك ، وظواهر أدلّة البرائة وغيرها ممّا لا يهمّنا البحث عنه في المقام ، إنّما الكلام في أنّه هل يمكن الحكم بوجوبه بمجرّد ذلك لظاهر الآية فيكون دليلا حاكما على الأصل المتقدّم؟ وجهان من أنّ الأمر ظاهر أو حقيقة في الوجوب ، وقضيّة صدق العبادة على فعل اتّصافه بالوجب إلّا ما خرج بدليل.
مضافا إلى ما قيل : من أنّ الأمر بالعبادة لا بدّ أن يكون لأجل كونها عبادة ، لأنّ ترتّب الحكم على الوصف مشعر بعلّية الوصف ، سيّما إذا كان الوصف مناسبا
__________________
(١) التحريم : ٨.