تفسير الآية (٢٢)
(الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ فِراشاً)
لمّا أمر الله سبحانه كافّة النّاس بالعبادة ، وأمرهم بالطّاعة ، وكان فيهم المقرّ المعتقد ، والجاحد المعاند ، قرن أمره بجملة من الدّلائل الأنفسيّة والآفاقيّة إتماما للحجّة ، وازاحة للعلّة ، ولطفا عليهم بما يضطرّهم النظر فيها إلى الإذعان وإن أصرّ الكافر على جحوده لمجرّد العدوان ، (لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ ، وَيَحْيى مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ) ، فعدّد في المقام عليهم خمسة دلائل : إثنين من الأنفس ، وهما خلقهم وخلق أصولهم ، وثلاثة من الآفاق ، وهي جعل (الْأَرْضَ فِراشاً وَالسَّماءَ بِناءً) ، وخلق الأمور الحاصلة من مجموعها الّتي هي بمنزلة النتاج والمواعيد من الفواعل الفلكيّة والقوابل العنصريّة ، كلّ ذلك بمشيّته سبحانه.
والسبب في هذا التّرتيب واضح فإنّ أقرب الأشياء إلى الإنسان نفسه ، ثمّ ما منه أصله ومنشأه من الأصلاب والأرحام المستودعة لنطفته المعدّة لإتمام خلقته ، ثمّ الأرض الّتي هي مكانه ومستقره يقعدون عليها ويتقلّبون فيها كما يتقلّب أحدكم على فراشه ، ثمّ السّماء الّتي هي كالقبّة المضروبة والخيمة المبنية على هذا القرار ثم ما يحصل من شبه الازدواج بين المقلّة والمظلة من إنزال الماء الّذي منه مواد الثمرات وأصول النطف وإخراج الحيوانات والنّباتات والثّمرات رزقا للعباد ، وبلغة لمصالحهم في أمر المعاش والمعاد.
هذا مضافا إلى توقّف الانتفاع بالأرض والسّماء على حصول الخلق والحياة والقدرة والشهوة والعقل وكلّها موجودة في الإنسان ، مع أنّ فيه ما فيهما وزيادة ممّا