لإقامة الفصول الأربعة في الآفاق الحمائليّة المائلة والثمانية في أفق الاستواء ، ففي الشتاء تفور الحرارة في الشجر والنبات ، فيتولّد منها مواد الثّمار ويستكثف الهواء فيكثر السّحاب والمطر وتقوى أبدان الحيوانات بسبب احتقان الحرارة الغريزيّة في البواطن ، وتأخذ الأرض مادّتها من الرّطوبات الّتي تستمدّ منها العيون والآبار وعروة الأشجار ، وفي الرّبيع تتحرّك الطبائع ، وتظهر المواد المتولّدة في الشّتاء ، ويثور الشّجر ويهيج الحيوان للسفاد ، ويظهر حمل الثّمار في الأشجار فتكثر فيها الأنوار والأزهار وفي الصّيف تحتدم (١) الهواء فتنضج الثمار ، وتتحلّل فضول الأبدان ، ويجفّ وجه الأرض ، ويتهيّأ للعمارة والزّراعة ، وفي الخريف يظهر البرد واليبس فتدرك الثمار وتستعدّ الأبدان قليلا قليلا للشّتاء ، فانّه ان وقع الانتقال دفعة واحدة لهلكت الأبدان وفسدت.
منافع حركة الشمس
ثمّ تأمل في منافع حركتها فانّها لو كانت واقفة على موضع واحد لاشتدّت السّخونة في ذلك الموضع واشتدّ البرد في سائر المواضع لكنّها تطلع في أوّل النّهار من المشرق فيقع شعاعها على ما يحاذيها من جهة المغرب ثمّ لا تزال تدور حتّى تنتهي إلى الغروب فتشرق على الجوانب الشرقيّة فلا يبقى موضع مكشوف إلّا ويأخذ خطا من شعاعها.
ثمّ انظر إلى ما يعرض لها من الميل الشّمالي والجنوبي حيث إنّها لو لم يكن لها ميل لكان التأثير مخصوصا في بقعة واحدة ولكانت الأحوال فيها متشابهة ولكان تغلب الجمود على بعض البلاد والاحتراق على بعضها ولخلت عامّة البلاد
__________________
(١) تحتدم الهواء : تشتد حرارتها.