(أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً) عطف على (جَعَلَ) ، وهي إشارة إلى نعمة خامسة ، والمراد بالسّماء السحاب أو جهة العلو أو الفلك.
والماء أصله موه ، وهمزته منقلبة عن هاء ، ويقال : الماء والمائة ، وسمع اسقني ما بالقصر ، والدليل على الأصل قولهم : أمواه ، ومياه ، في الجمع ، ومويه ، ومويهة في التصغير والفعل ماهت الركية تماه وتموه وتميه ، ومن ابتدائية أمّا على الوجهين الأوّلين في السّماء فواضح وأمّا على الثالث فلأنّ المطر يبتدأ من سماء إلى سماء ثمّ إلى السّحاب ، ومنه إلى الأرض أو من اسباب سماويّة وأقدار إلهيّة ، حيث سخّر الشمس لتصعيد الأبخرة الأرضيّة المتكوّنة بامره التسخيري التكويني في ظاهر الأرض وباطنها وسطوح البحار وأعماقها ، فإذا تصاعدت بحرارة لطيفة عرضية وأجزاء مائيّة رتبيّة حتّى وصلت الكرة الزمهريريّة تكاثفت أحيانا وانعقدت سحابا وتقاطر منه المطر النّازل من فضاء المحيط إلى ضيق المركز كلّ ذلك بمشيته وإرادته وحسن قضائه وإمضائه وهندسته لمقادير ذرات الأعيان والأكوان في أرضه وسمائه قال تعالى : (اللهُ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّياحَ فَتُثِيرُ سَحاباً فَيَبْسُطُهُ فِي السَّماءِ كَيْفَ يَشاءُ وَيَجْعَلُهُ كِسَفاً فَتَرَى الْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلالِهِ فَإِذا أَصابَ بِهِ مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ إِذا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ) (١).
اشكال ودفع
وأمّا ما يقال : من أنّ هذه طريقة الفلاسفة الدّهرية المنكرين للصّانع أو القدرة والاختيار وإنّما التجائوا إلى اختيار هذا القول لاعتقادهم قدم الأجسام الفلكيّة والعنصريّة وإذا كان الأمر كذلك على معتقدهم امتنع دخول الزّيادة والنّقصان فيها
__________________
(١) الروم : ٤٨.