نعم صرّح غير واحد ممّن صنّف في غرائب البحر وسمعت ذلك ايضا ممّن ركبه أنّه شاهد غير مرّة أنّه قد يتصاعد من موضع من البحر أبخرة قويّة مجتمعة متراكمة متّصلة بحيث يحصل من مشاهدة اتّصال تصاعدها شبه العمود القائم على سطح الماء وقد يكون قطره نحو ميل متواصل إلى عمق الماء بحيث قد انفلق البحر بقوّة خروج الأجزاء البخاريّة المتكوّنة في عمقه بأسباب لا تحصى ، وذكروا أنّه ربما تقع فيها السّفن فتغرق ، ولذا توصل أرباب السّفن وجهابذة البحر في إزالتها عن طرق السّفن بحيل لا يقتضي المقام ايرادها ، وبالجملة يمكن أن يتعرض لذلك البخار شيء من السّمك الصّغار فترتفع معها بقوّتها الصّعوديّة الخارقة للماء حتّى إذا أزالت عنها الحركة العرضيّة والقسريّة سقطت ولعلّه هو المراد بقوله عليهالسلام : إنّ الغيم حين أخذ من ماء البحر تداخله سمك صغار فتسقط منه فلا تغفل.
الجمع بين قول الطبيعيين والأخبار
ثمّ أنّه قد سئل الشّيخ الأحسائي رحمهالله عن التوفيق بين قول الطّبيعيين حسبما مرّ وبين ما ذكره الإمام عليهالسلام في الخبر المتقدّم فأجاب بانّ البخار المتصاعد من البحار والأنهار والاراضي الرّطبة بحرارة أشعّة الشمس تتصاعد بجذب الأشعة متفرّقة فقبل أن تصل إلى الطبقة الزمهريريّة وهي البحر المكفوف بين السّماء والأرض وبحكمة الحكيم تتكوّن فيه حيتان صغار بمقتضى قابليّة الماء المجتمع بتقدير العزيز العليم والسّحاب يغترف الماء تارة من هذا البحر البخاري وتارة من البحر الأجاج الّذي على وجه الأرض المعلوم ، فالمطر الّذي من البحر المكفوف بين السّماء والأرض يكون ملقحا ينبت به النّبات والكماة والمعادن واللؤلؤ والصّدف