ردّ قول الأشاعرة
وأمّا ما ذكره بعض المفرّطين في جنب الله المحجوبين عن مشاهدة أنوار قدرته وحكمته من أنّه سبحانه أجرى عادته بإفاضة صور الثمرات وكيفيّاتها على المادّة الممتزجة من الماء والتّراب من غير أن يكون قد أودع في شيء من ذلك قوّة التأثير والتأثّر كما هو مذهب الاشاعرة القائلين بشنائع لم يلتزم بها أحد من الملاحدة فناش عن الضّلالة وفساد الطّريقة وانهماكهم في التّقصير والقصور ، (وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللهُ لَهُ نُوراً فَما لَهُ مِنْ نُورٍ).
وقد ظهر ممّا مرّ أنّ «الباء» سببيّة وان كانت جعليّة «ومن» إمّا للتّبعيض أو للتّبيين ، وقد يعتضد الأوّل بقوله : (فَأَخْرَجْنا بِهِ مِنْ كُلِّ الثَّمَراتِ) (١) أي بعض كلّها وقوله : (فَأَخْرَجْنا بِهِ ثَمَراتٍ) (٢) لتبادر التبعيض من التنكير سيّما في جموع القلّة ، وبأنّ المنكّرين أعني ماء ورزقا يكنّفانها وقد قصد بتنكيرهما معنى البعضيّة كانّه قيل : وأنزلنا من السّماء بعض الماء فأخرجنا به بعض الثمرات ليكون بعض رزقكم ، وبأنّ هذا هو المطابق لصحة المعنى في الواقع لأنّه لم ينزل من السّماء الماء كلّه ، ولا أخرج بالمطر جميع الثمرات ، ولا جعل الرّزق كلّه في الثمرات.
وعندي في الكلّ نظر فالتّبيين أظهر بناء على كون التنوين في المكتنفين للتفخيم والتعظيم بل وكذا في الآية الثانية وهو أنسب بمقام الامتنان حيث جعل رزق الإنسان مصاصة لطائف الفلكيات والعنصريات ، وخلاصة نتائج الازدواجات ، فيكون كقولك : أنفقت من الدّراهم ألفا أي أنفقت ألفا هو الدّراهم ، وان احتمل التبعيض في المثال أيضا ، نعم قد يقال : إذا قلت أكلت من هذا الخبز كان للتّبعيض لا
__________________
(١) الأعراف : ٥٧.
(٢) فاطر : ٢٧.