البحث الخامس
دلالة الحروف قبل التركيب
ربما يتوهّم أنّ الحروف المفردة قبل التركيب والترتيب ليس لها وضع ودلالة على معان أصلا ، وأنّ فائدتها منحصرة في تركيب الكلمات منها وطرو الوضع عليها.
وقد يؤيّد ذلك بما روي في «العيون» و «الاحتجاج» وغيرهما عن مولانا الرضا عليهالسلام في خبر عمران الصابي.
قال الإمام عليهالسلام : والإبداع سابق للحروف ، والحروف لا تدلّ على غير أنفسها.
قال المأمون : وكيف لا تدلّ على غير أنفسها قال الرضا عليهالسلام : لأنّ الله تبارك وتعالى لا يجمع منها شيئا لغير معنى أبدا ، فإذا ألّف منها أحرفا أربعة أو خمسة أو ستة ، أو أكثر من ذلك أو أقلّ لم يؤلّفها لغير معنى ، ولم يك إلّا لمعنى محدث لم يكن قبل ذلك شيئا.
قال عمران : فكيف لنا بمعرفة ذلك؟ قال الرضا عليهالسلام : أمّا المعرفة فوجه ذلك وبيانه أنّك تذكر الحروف إذا لم ترد بها غير أنفسها ذكرتها فردا فقلت : أب ت ث ج ح خ ... حتى تأتي على آخرها ، فلم تجد لها معنى غير أنفسها ، فإذا ألّفتها وجمعت منها أحرفا وجعلتها اسما وصفة لمعنى ما طلبت ووجه ما عنيت كانت دليلة على معانيها داعية الى الموصوف بها ... الخبر (١).
نظرا الى أنّ الدلالة على أنفسها الثابتة قبل التركيب بالفحوى هي تعيين مسمّياتها من النقوش والألفاظ كما يستفاد ذلك من ملاحظة ذيل الخبر ، ولكنّ
__________________
(١) بحار الأنوار ج ١٠ ص ٣١٤ ـ ٣١٥ ح ١ عن التوحيد والعيون