فقلت : متى قال حين قال لهم : (أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قالُوا بَلى) (١) ، ثمّ سكت ساعة ، ثمّ قال : وإنّ المؤمنين ليرونه في الدنيا قبل يوم القيامة الست تراه في وقتك هذا؟ قال أبو بصير : فقلت له : جعلت فداك فأحدّث بهذا عنك؟ قال : لا فإنك إذا حدّثت به فأنكره منكر جاهل بمعنى ما تقوله ثمّ قدر أنّ ذلك تشبيه وكفر وليست الرؤية بالقلب كالرؤية بالعين تعالى الله عمّا يصفه المشبّهون والملحدون (٢).
البحث الثاني
أنّ القائلين بالجنّة والنّار المحسوستين ولو في الجملة اختلفوا في أنّ الثّواب والعقاب هل هما جزاءان على الأعمال مغايران لها أم هما الأعمال الحسنة والسّيئة قد ظهرتا بصورة أخرى مناسبة للدّار الآخرة باعتبار مجرّد إختلاف أحكام الدّار وسنخ العالم كظهور شيء واحد في عوالم مختلفة بصور متخالفة كما أنك ترى زيدا مرّة بصورته الحسيّة بالبصر وأخرى بصورته الملكوتيّة بتصوره إذا غاب عنك أو باعتبار عروض طوارئ النّمو والتّربية عليها كظهور النّواة شجرة ذات أوراق وأغصان واثمار بعد سنين وظهور النطفة إنسانا عالما آمرا ناهيا بعد حين.
فذهب كثير من المسلمين إلى الأوّل نظرا إلى أنّ الأعمال أعراض قائمة بمحالها ، فهي فانية بانقضاء أزمنتها ومحالّها من غير أن يكون لها بقاء أو عود أصلا مضافا إلى الآيات والأخبار الدّالة بظواهرها على كون الثواب والعقاب جزاء على الأعمال ومقابلة لها بمثلها ، مع ما دلّ على أنّ الجنّة والنار بما فيهما ممّا يثاب به أو يعاقب كانت مخلوقة قبل خلق بني آدم ، ولو كانت مخلوقة من أعمالهم لتأخر خلقها عن خلقهم المتدرج إلى يوم القيامة ، إلى غير ذلك ممّا يدل عليه من ظواهر
__________________
(١) الأعراف : ١٧٢.
(٢) بحار الأنوار ج ٤ ص ٤٤ ح ٢٤ عن التوحيد.