الْمُهْتَدِ) (١).
وهذه الوجوه وغيرها ممّا يقرب منها لا بأس بإرادتها في المقام ، وأمّا خلق الهداية في قلوبهم من غير صنع لهم واختيار منهم فلا يجوز ارادته في المقام بعد دلالة قواطع الأدلّة على نفي الجبر الّذي في القول به هدم الدّين وتخريب شريعة سيّد المرسلين صلىاللهعليهوآله أجمعين.
تفسير الآية (٢٧)
(الَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللهِ مِنْ بَعْدِ مِيثاقِهِ)
توصيف للفاسقين بما هو الأعظم من أسباب فسقهم وخروجهم عن الطّاعة فهو في موضع النّصب على الوصف أو القطع بتقدير أعني وأدمّ ، أو الرّفع بناء عليه بتقدير المبتدأ أو على الابتداء ، وخبره (أُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ) تعريضا عليهم بأنّهم الجامعون بين تلك الصّفات وتنبيها على أنّ إضلاله إيّاهم ليس بقهرهم وإجبارهم بل هو ناش عن سوء اختيارهم وإنّ خروجهم عن طاعته عاد وبالا عليهم وخسارا في تجارتهم والنقض نقيض الإبرام وأصله الفسخ وفكّ التركيب ومنه قوله : (وَلا تَكُونُوا كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَها مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ أَنْكاثاً) (٢) والنقاضة ما نقض من حبل الشعر واستعمل في ابطال العهد لتسميتهم العهد بالحبل على سبيل الاستعارة لما فيه من ثبات الوصلة بين المتعاهدين ولذا قد يطلق مع لفظ الحبل ترشيحا للمجاز ومنه قول ابن التّيهان (٣) في بيعة العقبة يا رسول الله انّ بيننا وبين القوم حبالا ونحن
__________________
(١) الإسراء : ٩٧.
(٢) النحل : ٩٢.
(٣) هو مالك بن التيهان ابو الهيثم الانصاري الصحابي توفي سنة (٢٠) ه.
سير أعلام النبلاء ج ١ ص ١٨٩ ـ ١٩٠.