يصغى معه إلى أمثال هذه الاخبار والأقوال الشاذة التي لم تكن معروفة ولا مذكورة عند الاماميّة ولذا ادّعى المفيد الإجماع على عدم كون إبليس من الملائكة ، ولعمري أنّه من الوضوح بمكان يمكن دعوى ضرورة المذهب عليه على ما ستعرف بل ولعلّه كذلك بالنّسبة إلى الملكين ولذا قال ايضا الصّدوق بعد حكاية كلام الدّهني في «العلل» ما لفظه إنّما أردت أن تكون هذه الحكاية في هذا الكتاب وليس قولي في إبليس ؛ أنّه كان من الملائكة ، بل كان من الجنّ ، إلّا أنّه كان يعبد الله بين الملائكة وهاروت وماروت ملكان ، وليس قولي فيهما قول أهل الحشو بل كانا عندي معصومين إلى آخر ما ذكره رحمهالله (١).
عصمة الملائكة وحقيقتها
وبالجملة لا ينبغي الإشكال في أصل العصمة وعدم صدور المعصية بعد قيام الإجماع وإنّما الكلام في انّهم قادرون على الشرور والمعاصي أولا فالمحكي عن جمهور الفلاسفة وكثير من الجبريّة أنّهم خيرات محض لا قدرة لهم على شيء من ذلك بل الظاهر منهم أنّ أفعالهم كالأفعال الطّبيعية الصّادرة عن فاعلها من دون كلفة ومشقّة ، بل قد يحكى عنهم : أنّهم جعلوها نفس الطّبايع الّتي تصدر عنها الأفعال من دون شعور واختيار ، ولقد فرغنا عن الكلام في إبطاله على ما مرّ وظاهر المتكلّمين والفقهاء بل صريح بعضهم انّهم قادرون على كلّ من الطّاعة والمعصية ، إلّا أنّهم باختيارهم وارادتهم بل واستلذاذهم وميلهم يختارون الطّاعة على المعصية كما يستفاد من هذه القصّة المتضمّنة لترك الأولى ومن قوله : (وَمَنْ يَقُلْ مِنْهُمْ إِنِّي
__________________
(١) علل الشرائع ص ٢٧.