وفيه انّ ارادة تعريفهم ما خصّ به آدم من ذلك ليس مانعا عن كونه تكليفا لهم ، بل لعلّه يؤكّده من حيث إنّهم لما أمروا بالإنباء ولم يقدروا عليه إلّا من جهة التّعلّم من آدم ثمّ أنبأهم آدم بها بامره سبحانه علموا أنّ له الفضل والشرف بالعلم وزيادة حقّ التعليم لهم فيما توقّف عليه طاعتهم وتقرّبهم إليه سبحانه ، فهذا تنبيه على شرفه وفضله عليهم على وجه ابلغ كما لا يخفى.
وممّا يومئ إلى ما ذكرنا انّ كلّا من الاشتراط والتّوطين خلاف الظّاهر من الأمر ، ومن البيّن انّ المتعيّن هو الحمل على الظّاهر الّذي هو الإطلاق إلّا أن يمنع عنه مانع ، والأصل بل الظّاهر ايضا عدمه مضافا إلى أنّ اعتذارهم بعدم العلم دليل على عدم فهم الاشتراط من الخطاب بل كانّهم فهموا الطّلب على وجه الإطلاق فاعتذروا بعدم العلم فازاح الله عذرهم بانّ امر آدم بتعليمهم وانبائهم.
تفسير الآية (٣٢)
(قالُوا سُبْحانَكَ لا عِلْمَ لَنا إِلَّا ما عَلَّمْتَنا)
تنزيه منهم له سبحانه عن أن يكون فعله على غير وجه الحكمة او أن يعلم الغيب أحد سواه واعتذار عن الاستفسار مع الإشعار بأنّه لم يكن للاعتذار بل لمجرّد الاستخبار واعتراف بالعجز والقصور عن الاحاطة بوجوه الحكمة في أفعاله ، وانّه قد ظهر له ما خفي عليهم من علم الإنسان وفضله والحكمة في خلقه ومراعاة للأدب حيث مجدّوه اوّلا بالتنّزيه الّذي هو ابلغ من اثبات الكمال ، إذ ربّما لا يخلو عن شوب التّوهم والتشبيه ، ولذا قال سبحانه : (سُبْحانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا