يَصِفُونَ) (١) ، ثمّ نفوا العلم بجنسه المستوعب بجميع أفراده عنهم ونسبوه إليه ، ثمّ أظهروا شكر نعمته بما منحهم به منه ، ولذا أضافوا (إِلَّا ما عَلَّمْتَنا) إلى قولهم : (لا عِلْمَ لَنا) مع الاكتفاء به في الجواب ، فانّهم أرادوا أن يضيفوا إلى ذلك التعظيم له والاعتراف بانعامه عليهم بالتّعليم وان جميع ما يعلمونه إنّما يعلمونه من جهته ، وانّ هذا ليس من جملة ذلك ، ثمّ حقّقوا الاعتراف بعلمه وحكمته وأكّدوه بقولهم : (إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ) بكلّ شيء علما ذاتيّا لم يعرض ولا يزول (الْحَكِيمُ) المصيب في كلّ فعل من أفعاله ، المحكم لمبدعاته على أتمّ الوجوه وأتقنها.
ومن هنا يظهر أنّ مفهوم الحكمة زائد على مفهوم العلم ، فلا تكرار ، وانّ في الفعيل من المبالغة ما ليس في الفاعل ، وانّ تقديم الأوّل علي الثّاني طبيعيّ.
و (سبحان) مصدر كغفران ، أو اسم للتّسبيح يقوم مقامه ، ولا يكاد يستعمل إلّا مضافا منصوبا بفعل مضمر كمعاذ الله ، وهو هنا مضاف إلى المفعول ، دون الفاعل ، ويضاف إلى الضّمائر الثلاثة وإلى الظّاهر ، ويستعمل مقطوعا للتّعجّب ، تقول العرب : سبحان من كذا إذا تعجّبوا منه ، ومنه قول الأعشى (٢) :
أقول لمّا جاءني فخره |
|
سبحان من علقمة الفاخر |
قال الجوهري : وانّما لم ينوّن لأنّه معرفة عندهم وفيه شبه التأنيث (٣).
والمراد به في المقام الاشعار بتنزيهه تعالى على ما مرّ أو اظهارهم التّعجب
__________________
(١) الصافّات : ١٨٠.
(٢) هو عامر بن الحارث الباهلي ، شاعر جاهلي وأشهر شعره «رأيته في رثاء أخيه لأمّه : المنتشر ابن وهب أوردها البغدادي برمّتها في خزانة الأدب ج ١ ص ٩.
(٣) الصحاح ج ١ ص ٣٧٢ في سبّح.