تفسير الآية ٢٩
(هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ ما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً) لمّا ذكر في الآية السابقة إنعامه علينا بخلق ذواتنا والإفاضة علينا بنور الوجود ونفخ الأرواح والتّنقل إلى الأطوار البرزخيّة والاخرويّة عقّبها ببيان نعمة أخرى لعامّة الخلق مترتبة عليها ، وهي خلق ما يتوقف عليه بقاؤهم وبه يتمّ معاشهم من البسيطة الغبراء والمحيطة الخضراء ، وما بينهما من الأجسام البسيطة والمركبة ، وما يتعلّق بها من القوى والأرواح والكيفيات وغيرها من الاعراض التي خلقت لأجل انتفاع الناس بها في دنياهم بان يتمتّعوا منها بفنون المطاعم والمشارب والمناكح والملابس والمراكب والمساكن والمناظر وغيرها ممّا ينتفعون بها في مصالح أبدانهم ودفع المضارّ عنها وتقويها على الطاعة وحفظ المقاصد المطلوبة وفي دينهم بالنظر فيها والاستدلال بها وبما تتضمّنه من عجائب الصّنع وغرائب البدع على الصانع الحكيم والقادر العليم.
ولذا روى الامام عليهالسلام في هذه الآية عن مولانا أمير المؤمنين عليهالسلام : أنّه خلق لكم لتعتبروا به وتتوصلوا به إلى رضوانه وتتوقوا من عذاب نيرانه (١).
والاقتصار عليه في كلامه لكونه الأهم الاعمّ من الانتفاعين ، وإلّا فالآية بعمومها وإطلاقها تدلّ على جواز انتفاعهم بكلّ ما فيها من المنافع الخالية عن المضرّة ، ولذا استدلّوا بها على أصالة الاباحة الشرعيّة حسبما قرّر في الأصول من تطابق العقل والشرع على ذلك وفساد القول بأصالة الحظر فيها قبل ورود الشرع أو بعد بيانه عقلا أو شرعا وفساد القول بالتوقف أيضا ، وبالجملة فالأشياء كلّها من الأفعال والمطاعم وغيرها على الإباحة الاصليّة بل الشرعيّة إلّا ما ورد النص فيه بالحرمة بالخصوص أو بالعموم ولو لكونه من الخبائث كما في الآية أو ممّا يضرّ في
__________________
(١) تفسير البرهان ج ١ ص ٧٢ عن تفسير الامام عليهالسلام ص ٢١٥.