تفسير الآية (٤٠)
(يا بَنِي) كلمة «يا» حرف نداء للبعيد. أو كالبعيد كما قال ابن مالك (١) في ألفيته :
وللمنادى الناء أو كالناء يا |
|
وأي وأ ، كذا أيا ثمّ هيا |
وزعم بعضهم أنّ «يا» اسم فعل معناها انادي ، ولكنّ الفخر الرازي (٢) ردّ عليه وقال : أمّا الّذين فسّروا قولنا : «يا زيد» بأنادي زيدا ، أو أخاطب زيدا فهو خطأ من وجوه :
أحدها : أنّ قولنا : أنادي زيدا خبر يحتمل التصديق والتكذيب ، وقولنا : يا زيد لا يحتملهما.
وثانيها : أنّ قولنا : يا زيد يقتضي صيرورة زيد منادى في الحال ، وقولنا : أنادي زيدا لا يقتضي تلك.
وثالثها : أنّ قولنا : يا زيد يقتضي صيرورة زيد مخاطبا بهذا الخطاب ، وقولنا : أنادي زيدا لا يقتضي ذلك. لأنّه يمتنع أن يخبر إنسانا آخر بأنّي أنادي زيدا.
ورابعها : أنّ قولنا : أنادي زيدا إخبار عن النداء ، والإخبار عن النداء غير النداء ، والنداء هو قولنا يا زيد ، فإذن قولنا أنادي زيدا غير قولنا يا زيد. (٣) وليعلم أنّ «يا» كما تقدّم حرف وضع في أصله لنداء البعيد ولكن قد يستعمل في مناداة من سهى وغفل وإن كان قريبا من المنادي ، تنزيلا منزلة البعيد.
__________________
(١) هو محمد بن عبد الله الاندلسيّ الشافعيّ النحوي اللغوي المقرئ الأديب المتوفى سنة (٦٧٢) ه.
(٢) هو محمد بن عمر بن الحسين الطبري الأصل الرازي المولد الاشعري الأصول الشافعي الفروع المعروف بالفخر الرازي والملقب بابن الخطيب توفي سنة (٦٠٦) ه
(٣) التفسير الكبير للرازي : ج ٢ ص ٨٣.