واعلم أنه سبحانه ذكّرهم بهذه النعم لوجوه :
أحدها : أنّ في جملة النعم ما يشهد بصدق محمد صلىاللهعليهوآله ، وهو التوراة والإنجيل والزبور.
وثانيها : أنّ كثرة النعم توجب عظم المعصية ، فذكّرهم تلك النعم لكي يحذروا فخالفه ما دعوا إليه من الايمان بمحمد صلىاللهعليهوآله وبالقرآن.
وثالثها : أنّ تذكير النعم الكثيرة يوجب الحياء عن إظهار المخالفة.
ورابعها : أن تذكير النعم الكثيرة يفيد أنّ المنعم خصّهم من بين سائر الناس بها ، ومن خصّ أحدا بنعم كثيرة فالظاهر أنه لا يزيلها عنهم لما قيل : إتمام المعروف خير من ابتدائه فكأن تذكير النعم السالفة يطمع في النعم الآتية ، وذلك الطمع مانع من اظهار المخالفة والعصيان.
فإن قيل : هذه النعم ما كانت للمخاطبين بهذه الآية ، بل كانت لآبائهم فكيف تكون سببا لعظم معصيتهم؟
قيل في الجواب وجوه :
أحدها : لو لا هذه النعم على آبائهم لما بقوا وما كان يحصل هذا النسل فصارت النعم على الآباء كأنّها تعمّ على الأبناء وثانيها : ان الانتساب الى الآباء وقد خصّهم الله تعالى بنعم الدين والدنيا نعمة عظيمة في حق الأولاد.
وثالثها : الأولاد متى سمعوا أنّ الله تعالى خصّ آباءهم بهذه النعم لمكان طاعتهم وإعراضهم عن الكفر والجحود رغب الولد في هذه الطريقة ، لأنّ الولد مجبول على التشبّه بالأب في أفعال الخير ، فيصير هذا التذكير داعيا إلى الاشتغال