هذه الشبهة إلا عدم الفهم لتلك الأحاديث ، ومعنى الآية القرآنية. فالاختلاف الذي تثبته الأحاديث تلك هو غير الاختلاف الذي ينفيه القرآن. فالاختلاف الذي تثبته أحاديث نزول القرآن على سبعة أحرف هو اختلاف تعددي ، وسردى ، وليس اختلاف تضاد ، وتناقض ، سواء بالنسبة للمراد من ، وما تعنيه الأحرف السبعة ، أو سواء بالنسبة لما يعنيه القرآن من عدم وجود الاختلاف فيه.
فالأحاديث تلك تثبت الاختلاف التعددي لمعاني الأحرف السبعة ، وما تدل عليه. أي الاختلاف في المعاني ، والتنويع في طرق أداء القرآن والنطق بألفاظه ، والتنويع في أوجه قراءاته ؛ وفي حدود السبعة معاني ، أو السبعة أوجه ، أو السبعة أحرف ، وبشرط الصحة لها ؛ وأنها منقولة كلها عن الرسول «صلىاللهعليهوآلهوسلم» ، وبشكل متواتر. أمّا الاختلاف الذي ينفيه القرآن فهو بمعنى التناقض ، والتعارض ، والتدافع بين معاني القرآن الكريم ، وتعاليمه وأحكامه ، فليس في القرآن شيء من ذلك ، وإن اختلفت طرق أدائه ، وأوجه قراءته ، وهي التي تسمى بالأحرف السبعة ، فهذه الأحرف كلها صحيحة ، ولا تناقض بينها ، وبين القرآن الصحيح في نزوله ، ومعانيه وتواتره. وكما يقول شيخنا محمد عبد العظيم الزرقاني في كتابه مناهل العرفان (١) : «ومعنى ذلك أن نزول القرآن على سبعة أحرف لا يلزم منه تناقض ، ولا تخاذل ، ولا تضاد ، ولا تدافع بين مدلولات القرآن ، ومعانيه وتعاليمه ، ومراميه ، بعضها مع بعض. بل القرآن كله سلسلة واحدة ، متصلة الحلقات ، محكمة السور والآيات ، متآخذة المبادي ، والغايات ، مهما تعددت طرق قراءته ، ومهما تنوّعت فنون أدائه».
وكما يقول الإمام ابن الجزري : قد تدبرنا اختلاف القرآن ، فوجدناه لا يخلو من ثلاثة أحوال : إحداهما : اختلاف اللفظ لا المعنى. والثانية : اختلافهما جميعا مع جواز اجتماعهما في شيء واحد. الثالثة : اختلافهما
__________________
(١) الزرقاني ـ مناهل العرفان ـ ج ١ ـ ص ١٨٥.