السورة التي سمعتك تقرؤها. فانطلقت أقوده إلى رسول الله «صلىاللهعليهوآلهوسلم» ، فقلت : يا رسول الله ، إني سمعت هذا يقرأ بسورة الفرقان على حروف لم تقرئنيها!! وأنت أقرأتني سورة الفرقان. فقال الرسول «صلىاللهعليهوسلم» : «أرسله يا عمر ، اقرأ يا هشام؟ فقرأ هذه القراءة التي سمعته يقرؤها. فقال رسول الله «صلىاللهعليهوآلهوسلم» : هكذا أنزلت. ثم قال رسول الله «صلىاللهعليهوآلهوسلم» : إن هذا القرآن أنزل على سبعة أحرف. فاقرءوا ما تيسر منها».
ثالثا : وأيضا بالنسبة لحديث أبي بكرة هذا ، والذي نصه ما رواه أحمد ، والطبراني من حديث أبي بكرة : «أن جبريل قال : يا محمد ، اقرأ القرآن على حرف. قال ميكائيل : استزده حتى بلغ سبعة أحرف. قال : كلها شاف كاف ما لم تخلط آية عذاب برحمة ، أو رحمة بعذاب» (١). فلا يدل أبدا على جواز تبديل لفظ القرآن بما لا يضاده ، وإنما هو من قبيل ضرب الأمثال التي يضربها الرسول «صلىاللهعليهوآلهوسلم» للحروف التي نزل عليها القرآن ؛ ليفيد أن تلك الحروف على اختلافها ما هي إلا ألفاظ متوافقة مفاهيمها كما يقول شيخنا الزرقاني «وإنّها متساندة معانيها لا تخاذل بينها ، ولا تهافت ، ولا تضاد ، ولا تناقض ، ليس فيها معنى يخالف معنى آخر على وجه ينفيه ، ويناقضه : كالرحمة التي هي خلاف العذاب ، وضدها. وتلك الأحاديث بهذا الوجه ، تقرير ؛ لأن جميع الحروف نازلة من عند الله. قال تعالى : (وَلَوْ كانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافاً كَثِيراً).
وأيضا ، كما يقول صاحب التبيان في مثل هذا المقام إذ يقول : «إن النبي «صلىاللهعليهوآلهوسلم» علّم البراء بن عازب دعاء فيه هذه الكلمة : «ونبيك الذي أرسلت» فلما أراد البراء أن يعرض ذلك الدعاء على الرسول «صلىاللهعليهوآلهوسلم» ، قال : «ورسولك الذي أرسلت» فلم يوافقه النبي «صلىاللهعليهوآلهوسلم» على ذلك ؛ بل قال له : لا «ونبيك الذي أرسلت». وهكذا نهاه الرسول «صلىاللهعليهوآلهوسلم» أن يضع لفظة رسول موضع لفظة نبي مع أن كليهما حق لا يحيل معنى ؛ إذ هو «صلىاللهعليهوآلهوسلم»
__________________
(١) الإمام السيوطي ـ الإتقان ـ ج ١ ص ٤٨.