موجودا. فوجود الله غير وجود المخلوق. فالله ليس مجسما ، وليس ماديا. ومن الخطأ أن يقاس المجرد عن المادة بما هو مادي.
فالمادي هو الذي يجب أن يتصف بشيء من هذه المتقابلات بأن تكون له جهات ست أو جهة منها. أما غير المادي فترتفع عنه مثل هذه الصفات ، ولا يمكن أن تكون له جهة من هذه الجهات. فالخالق لا يستوي أبدا مع خلقه في جريان أحكام الخلق على الخالق.
ونظير ذلك يمكننا القول : إذا صح ، واتصف إنسان بأنه عالم أو جاهل ، فإنّ الجماد كالجبل مثلا لا يصح أن يتصف بالعلم أو الجهل ، وهما مرتفعان عنه ، بل وممتنعان عليه ؛ لأنّ طبيعته تختلف عن طبيعة الإنسان. وكذلك لا يصح وصف الأرض بأنّها بكر ، أو متزوجة ، أو أرملة ؛ وكذلك لا يصح وصف السماء بأنها سميعة أو بصيرة ، أو خرساء ؛ وكذلك لا يصح وصف البحر بأنه بالغ أو راشد ، أو محلف. وهكذا تنتفي المتقابلات كلها بانتفاء قابلية المحل لها أيا كانت هذه المتقابلات. وهكذا فإن لكل محل ، ولكلّ مخلوق طبيعة خاصة به تتصف بصفات خاصة ، ولائقة بها. وهذه مخلوقة ، ومادية فما بالك لو كان الأمر يتعلق بما هو خالق ، وغير مخلوق ، وغير مادي ، وهو الله تعالى ، فقياس الغائب على الشاهد فاسد ، ومغلوط.
ثانيا : إذا كان أنصار هذه الشبهة يقررون ضرورة أن يكون لله جهات حتى يكون معبودا ، فإن السؤال الذي يطرح ذاته هذا : أين كان الله قبل أن يخلق العرش ، والكرسي ، والسماء ، والأرض ، وقبل أن يخلق الزمان ، والمكان ، وقبل أن تكون هناك جهات؟؟. فإن قالوا : لم يكن له جهة ، ولا مكان ، فقد اعترفوا بخطإ ادعائهم ، وناقضوا أنفسهم ، واعترفوا بحقيقة أن الله لا تحده جهة ، ولا مكان ، ولا زمان ، وهو حي باق موجود يدبر أمور الحياة في السماء ، والأرض. وإن قالوا : إن العالم قديم بقدم الله تعالى ، فقد ناقضوا أنفسهم ، واستجاروا من الرمضاء بالنار ، وهنا يقتضي الحال الانتقال بهم إلى إثبات حدوث العالم.