حكومتها ، وأدوات ولايتها ، ودوائر سلطاتها ، وأجهزة قسماتها ، وسلطنة عمالتها ، وولاية عمالاتها ، ومظاهر علاقتها ، وتقسيمات أقاليمها ، ومهمات أمرائها ؛ فكانت دولة إسلامية بحق ، لها معالمها ، ومقوماتها. ونشأت كدولة مدنية ترعى شئون الدين ، والدنيا ، والدينية ، والمدنية معا. وإذا كانت أحداث الحروب ، والغزوات ، والسرايا ، والبعوث قد ملأت كتب ومصادر السنة ، ومراجع التاريخ ، فإن هذا لا يعني أنّها خلت من الكلام أو ذكر معالم هذه الدولة ؛ ولو أنّها جاءت متناثرة مفرقة بين ، وعلى صفحات هذه المصادر ، والمراجع. ولقد قيّض الله لهذه الأمة من العلماء ، من جعل شغله الشاغل في السيرة النبوية الكلام عن المعالم الأساسية ، والمقومات الأصلية للدولة النبوية ، وعلى رأسهم الإمام الخزاعي أبو الحسن علي بن محمد بن أحمد بن موسى بن مسعود بن أبي غفرة الخزاعي ٧١٠ ـ ٧٨٩ ه ١٠٢٦ ـ ١١٠٣ م. حيث أشار في كتابه «تخريج الدلالات السمعية» إلى معالم ، وأركان ، ودوائر ، ووظائف ، وأدوات ، وقسمات دولة الرسول «صلىاللهعليهوآلهوسلم» ؛ فجاء كتابه هاما ، ومفيدا ، ومن أهم مراجع التراث الإسلامي الأول (١).
١ ـ وبالنسبة لعقد التأسيس : فقد تم بين الرسول «صلىاللهعليهوآلهوسلم» ، وبين قادة الأوس ، والخزرج ، وممثليهم الذين التقوا به في موسم الحج ذلك العام. فكانت بيعة العقبة عقدا سياسيا ، وعسكريا ، واجتماعيا ، وشرعيا حقيقيا لا مفترضا ؛ تأسس بناء عليه أول دولة إسلامية في التاريخ العربي والإسلامي. وقد تمت هذه البيعة بين النبي «صلىاللهعليهوآلهوسلم» ، وبين خمس وسبعين من وجوه الأوس ، والخزرج بينهم امرأتان هما : نسيبة بنت كعب ، وأسماء بنت عمرو بن عدي. وقد تضمنت بنود العقد التأسيسي أهم شواهد إقامة الدولة : مكانها يثرب ؛ ورئيسها الرسول «صلىاللهعليهوآلهوسلم» طيلة حياته ؛ وقيادتها الأولى
__________________
(١) أنظر خلاصة هذا الكتاب في : الأعمال الكاملة لرفاعة الطهطاوي ـ ج ٤ ص ٤٨١ وص ٧٦٥. وكذلك كتاب : نظام الحكومة النبوية المسمى التراتيب الإدارية لعبد الحي الكتاني ج ١ ج ٢. طبعة بيروت ـ دار الكتاب العربي.